اثر عرب در تمدن اروپایی
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
ژانرها
ولولا أن ثورة الملوك كانت لازمة قبل ثورة الشعوب لاستفاد الأوروبيون من مقاربة الدول الإسلامية معنى آخر أجل وأسمى من هذا المعنى، في فهم حقيقة الدولة، وحقيقة الرعاية أو العلاقة بين الراعي والرعية؛ لأن أوروبا ظلت إلى القرن السابع عشر تعتبر الدولة سيادة للحاكمين على المحكومين، وظل علماؤها ينكرون حق الشعب في الإشراف على الحكومة ، ويعتبرون أن هذا الحق طريق إلى الفوضى والفساد، كما قرر جروسيوس في كلامه عن حقوق الحرب والسلام.
وقبل جروسيوس - إمام القانون الدولي عندهم في زمانه - كان المعري يقول في أوائل القرن الحادي عشر للميلاد؛ أي قبل جروسيوس بستة قرون:
ظلموا الرعية واستباحوا كيدها
وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
وقبل المعري بأربعة قرون كان القرآن يعلم الناس أن أمر الرعية شورى بينها، وكان الرسول - عليه السلام - يعلمهم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وكان الفاروق يعلمهم أنهم ولدوا أحرارا لا يستعبدهم خليفة ولا أمير.
على أن الأوروبيين إذا كان قد فاتهم أن يتلقوا عن الدول الإسلامية هذا الدرس الرفيع في معنى الدولة، والعلاقة بين الحاكمين والمحكومين فيها، فإنهم قد عرفوا من تلك الدول الإسلامية شيئا جديدا في العلاقات الدولية، ومعاهدات السلم والصلح والمتاركة بين الأعداء والمختلفين بالعقائد والعناصر واللغات؛ فإن الإسلام قد أباح لأتباعه معاهدة المشركين والذميين وأهل الكتاب، كما أباح لهم معاهدة إخوانهم في الدين.
وقد كانت نشأة الدول الإسلامية على الأرض الأوروبية مناسبة حية لتطبيق هذه المعاملات مع المحاربين والمسالمين، ومع الحكومات وآحاد الناس، وكان الأمير المسلم لا ينقض عهد أمانة لمن أمنهم على أنفسهم وأموالهم ولو كانوا من أعدى أعدائه، فكان الفرسان المسيحيون يترددون على العواصم الأندلسية لينازلوا أبطال المسلمين ذوي الصيت الذائع في حلبات الفروسية والرياضة البدنية، فلا يعتدى عليهم غالبين ولا مغلوبين، وكانت الحكومات المسيحية التي ترتبط بعهود المسالمة أو المتاركة مع المسلمين على ثقة من الوفاء بهذه العهود في أحرج الأوقات وأحفلها بالمخاوف والأخطار.
وشاهد الصليبيون في المشرق مثلا آخر من أمثلة هذه القداسة المرعية للمعاهدات الدولية، وهذه السنة الجديدة في معاملات الحكومات والشعوب، فتغنى الروائيون والشعراء الإنجليز بصدق صلاح الدين وشممه وأريحيته في معاملاته لخصومه، وسجلوا له بالثناء والإعجاب صدقه الذي لازمه في كل وعد من وعوده، فلم ينقض كلمة قط، ولم يحنث مرة بيمين.
وأعجب من هذا في باب التفرقة بين حدود الخصومة وحدود المعاملة: أن قيام الحرب بين العرب والصليبيين لم يكن ليقطع أسباب التعامل بين المتقاتلين في غير ما تستدعيه ضرورات القتال، ومن ذاك ما رواه الرحالة ابن جبير حيث قال:
ومن أعجب ما يحدث به أن الفتنة تشتعل بين الفئتين مسلمين ونصارى، وربما يلتقي الجمعان منهم، ويقع المصاف بينهم ورفاق المسلمين والنصارى تختلف بينهم دون اعتراض عليهم. شاهدنا في هذا الوقت، الذي هو شهر جمادى الأولى، من ذلك خروج صلاح الدين بجميع عساكر المسلمين لمنازلة حصن الكرك - وهو من أعظم حصون النصارى، وهو المعترض في طريق الحجاز، والمانع لسبيل المسلمين على البر: بينه وبين القدس مسيرة يوم أو أشق قليلا، وهو سرارة أرض فلسطين، وله منظر عظيم الاتساع، متصل العمارة. يذكر أنه ينتهي إلى أربعمائة قرية - فنازله هذا السلطان وضيق عليه، وطال حصاره، واختلاف القوافل من مصر إلى دمشق على بلاد الإفرنج غير منقطع، واختلاف المسلمين من دمشق إلى عكة كذلك.
صفحه نامشخص