اثر عرب در تمدن اروپایی
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
ژانرها
ولا يعرف أن أحدا سبق الإدريسي إلى بيان الحقيقة عن منابع النيل العليا، كما حفظت في الخرائط التي بقيت في بعض المتاحف الأوروبية، ومنها خريطة محفوظة بمتحف سان مرتين الفرنسي ترسم النيل آتيا من بحيرات إلى جنوب خط الاستواء، بعد أن تخبط الجغرافيون في وصف منابعه وتعليل فيضانه منذ أيام هيرودوت الملقب بأبي التاريخ.
ومن الخرائط المرسومة والآراء النظرية التي نقلت عن العرب تلقى كولمبس صورته عن الكرة الأرضية، وتخيل أن الأرض كثمرة الكمثرى المستطيلة ترتفع قمتها في الهند، وترتفع لها قمة أخرى مقابلة لها في مكان آخر يشبه إقليم الهند بمناخه وثمراته، ومحصول أرضه ومائه، وكانت الخريطة التي أوحت إليه هذه الفكرة مباشرة خريطة الكردينال بطرس الإيلي التي سماها «صورة الدنيا»
Image mundi ، واعتمد فيها على المصادر العربية ونشرها في أوائل القرن الخامس عشر قبل رحلة كولمبس بنحو ثمانين سنة، وهو فضل يحسب للعرب في كشف العالم الجديد.
ولقد كانت آراء البيروني ومروياته في علمي الجغرافية والفلك شائعة بين الأوروبيين المهذبين، ومما نقله البيروني عن أهل الهند «أن على ترابيع خط الاستواء أربعة مواضع هي جمكوت الشرقي والروم الغربي، وكنك الذي هو القبة والمقاطر لها، فلزم من كلامهم أن العمارة في النصف الشمالي بأسره»، ثم قال: «وأما اليونان فقد انقطع العمران من جانبهم ببحر أوقيانوس، فلما لم يأتهم خبر إلا من جزائر فيه غير بعيدة عن الساحل، ولم يتجاوز المخبرون عن الشرق ما يقارب نصف الدور جعلوا العمارة في أحد الربعين الشماليين، لا أن ذلك موجب أمر طبيعي؛ فمزاج الهواء الواحد لا يتباين، ولكن أمثاله من المعارف موكول إلى الخبر من جانب الثقة، فكان الربع دون النصف هو ظاهر الأمر، والأولى أن يؤخذ به إلى أن يرد دليل لغيره ...»
ومعنى هذا الكلام الواضح أن موجب العقل يقضي بوجود جانب مغمور في الجانب الغربي من الكرة الأرضية، ولكن لا يقطع بوجوده إلا بعد المشاهدة وتواتر الخبر من الثقات. وهذه هي الحقيقة التي اعتمد عليها كولمبس فاقتحم بحر الظلمات على رجاء تحقيق الفكرة المنطقية برؤية العيان.
ولو بقي الرأي الغالب على أهل أوروبا عن تسطيح الأرض كما كان قبل شيوع كتب الجغرافيين من العرب - مع إنكار الكنيسة للقول باستدارتها ودورانها - لكان من المتعذر جدا أن يسنح في ذهن كولمبس خاطر السفر إلى الغرب للوصول إلى الأقطار الآسيوية، ولكن العرب أشاعوا هذه الحقيقة في أهم الكتب الجغرافية التي ألفوها، فكتب ابن خرداذبة - المتوفى سنة 885 للميلاد - «أن الأرض مدورة كتدويرة الكرة موضوعة في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة»، وقال ابن رستة - المتوفى سنة 903: «إن الله جل وعز وضع الفلك مستديرا كاستدارة الكرة أجوف دوارا، والأرض مستديرة أيضا كالكرة مصمتة في جوف الفلك»، وأتى بالبراهين على ذلك فقال: «والدليل على ذلك أن الشمس والقمر وسائر الكواكب لا يوجد طلوعها ولا غروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد، بل يرى طلوعها على المواضع المشرقية قبل غيبوبتها عن المغربية، ويتبين ذلك من الأحداث التي تعرض في العلو؛ فإنه يرى وقت الحدث الواحد مختلفا في نواحي الأرض، مثل كسوف القمر، فإنه إذا رصد في بلدين متباعدين بين المشرق والمغرب، فوجد وقت كسوفه في البلد الشرقي منهما على ثلاث ساعات من الليل مثلا، أقول: وجد ذلك الوقت في البلد الغربي على أقل من ثلاث ساعات بقدر المسافة بين البلدين ... إلخ»، وقال المسعودي - المتوفى سنة 956: «جعل الله عز وجل الفلك الأعلى وهو فلك الاستواء وما يشتمل عليه من طبائع التدوير، فأولها كرة الأرض يحيط بها فلك القمر، ويحيط بفلك القمر فلك عطارد إلخ.» وقال المسعودي في مروج الذهب: إن الشمس «إذا غابت في هذه الجزائر - أي جزائر الأقيانوس - كان طلوعها في أقصى الصين، وذلك نصف دائرة الأرض.»
وقد تولى العلماء غير الجغرافيين تقرير هذه الحقيقة بالأدلة الفلسفية، كما فعل ابن سينا في جوابه عن سؤال أبي حسين أحمد السهلي عن علة قيام الأرض في الفضاء وثبات الأجسام عليها؛ حيث قال: «... ينبغي حينئذ ضرورة أن تكون جميع الأجسام الثقال، حيوانا كانت أو غير حيوان، تميل بطبعها وتنجذب من جميع الجوانب كلها إلى وسط العالم.» وألم في ختام الرسالة بأقوال الأقدمين فقال: «ذهبت طوائف من القدماء إلى آراء أخرى غير ما سبق؛ فمن أصحاب فيثاغورث من قال: إن الأرض متحركة دائمة على الاستدارة، ومنهم من قال: إنها هابطة إلى أسفل، وغيرهم من ذهب إلى سكونها.»
فشيوع العلم باستدارة الأرض بفضل تداوله في الكتب العربية هو الخطوة الأولى التي تسبق كل خطوة في طريق كولمبس ومن صدق بدعوته من أبناء زمانه، ولولا هذه الخطوة لكان أهل أوروبا الشمالية أولى بكشف الدنيا الجديدة لأنهم أقرب إليها، ولهم دراية بالملاحة كدراية أبناء الشواطئ الجنوبية.
على أننا قرأنا رأيا لبعض المشتغلين باللغة والتاريخ عندنا يؤكد فيه سبق العرب إلى كشف الدنيا الجديدة بأدلة لغوية تاريخية يعتمد عليها، وأشهر من قال بذلك الأب أنستاس الكرملي صاحب البحوث الطويلة في مشتقات الألفاظ وتواريخها، فإنه يشير إلى تيار الخليج الحار في المحيط الأطلسي فيقول:
سبق العرب سائر الأمم إلى معرفة هذا التيار وخواصه، وإلى حركته من المكسيك إلى أرلندة، ومن هذه إلى تلك، فكانوا يركبونه من موطن إلى موطن بحيث كانوا يدهشون سكان جزر المانش؛ أي جزر القصدير وأهالي جزيرة أرلندة، فكانوا إذا ظعنوا إلى أنحاء المكسيك مكث بعضهم فيها، وعاد القليلون منهم إلى بلادهم راكبين متن ذلك التيار المبارك مسبحين ربهم، مباركين مسلمهم. ونعرف أنهم كانوا يقيمون في الديار التي عرفت بعد ذلك بالمكسيك من أسماء الحيوانات التي سموها بها، وهي أسام تعرف بها إلى اليوم، لكن لا يفقه أهلها معانيها ولا علماء الغرب الذين اتخذوها ...
صفحه نامشخص