حال العبد بين السجدتين ثم شرع له أن يرفع رأسه ، ويعتدل جالسا ، ولما كان هذا الاعتدال محفوفا بسجودين ؛ سجود قبله ، وسجود بعده ، فينتقل من السجود إليه ، ثم منه إلى السجود الآخر ، كان له شأن ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الجلوس بين السجدتين بقدر السجود يتضرع إلى ربه فيه ، ويدعوه ويستغفره ، ويسأله رحمته ، وهدايته ورزقه وعافيته ، وله ذوق خاص ، وحال للقلب غير ذوق السجود وحالهن ؛ فالعبد في هذا القعود يتمثل جاثيا بين يدي ربه ، ملقيا نفسه بين يديه ، معتذرا إليه مما جناه ، راغبا إليه أن يغفر له ويرحمه ، مستعديا له على نفسه الأمارة بالسوء.
لماذا الاستغفار بين السجدتين
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الاستغفار في هذه الجلسة فيقول : " رب اغفر لي ، رب اغفر لي ، رب اغفر لي " ، ويكثر من الرغبة فيها إلى ربه.
فمثل أيها المصلي نفسك فيها بمنزلة غريم عليه حق ، وأنت كفيل به ، والغريم مماطل مخادع ، وأنت مطلوب بالكفالة ، والغريم مطلوب بالحق ، فأنت تستعدي عليه حتى تستخرج ما عليه من الحق ،؛ لتتخلص من المطالبة ، والقلب شريك النفس في الخير والشر ، والثواب والعقاب ، والحمد والذم .
والنفس من شأنها الإباق والخروج من رق العبودية ، وتضييع حقوق الله عو وجل وحقوق العباد التي قبلها ، والقلب شريكها إن قوي سلطانها وأسيرها ، وهي شريكته وأسيرته إن قوي سلطانه.
فشرع للعبد إذا رفع رأسه من السجود أن يجثو بين يدي الله تعالى مستعديا على نفسه ، معتذرا من ذنبه إلى ربه ومما كان منها ، راغبا إليه أن يرحمه ويغفر له ويرحمه ويهديه ويرزقه ويعافيه ، ز هذه الخمس كلمات ، قد جمعت جماع خير الدنيا والآخرة فإن العبد محتاج بل مضطر إلى تحصيل مصالحه في الدنيا وفي الآخرة ، ودفع المضار عنه في الدنيا والآخرة ، وقد تضمن هذا الدعاء ذلك كله.
صفحه ۲۱