ومن عبوديته أيضا : أن يعلم أن حمده لربه نعمة منه عليه ، يستحق عليها الحمد ، فإذا حمده عليها استحق على حمده حمدا آخر ، وهلم جرا.
فالعبد ولو استنفد أنفاسه كلها في حمد ربه على نعمة من نعمه ، كان ما يجب عليه من الحمد عليها فوق ذلك ، وأضعاف أضعافه ، ولا يحصي أحد البتة ثناء عليه بمحتمده ، ولو حمده بجميع المحامد فالعبد سائر إلى الله بكل نعمة من ربه ، يحمده عليها ، فإذا حمده على صرفها عنه ، حمده على إلهامه الحمد.
قال الأوزاعي : " سمعت بعض قوال ينشد في حمام لك الحمد إما على نعمة وإما على نقمة تدفع".
ومن عبودية الحمد : شهود العبد لعجزه عن الحمد ، وأن ما قام به منه ، فالرب سبحانه هو الذي ألهمه ذلك ، فهو محمود عليه ، إذ هو الذي أجراه على لسانه وقلبه ، ولولا الله ما اهتدى أحد.
ومن عبودية الحمد : تسليط الحمد على تفاصيل أحوال العبد كلها ظاهرها وباطنها على ما يحب العبد منها وما يكره ، بل على تفاصيل أحوال الخلق كلهم ، برهم وفاجرهم ، علويهم وسفليهم ، فهو سبحانه المحمود على ذلك كله في الحقيقة ، وإن غاب عن شهود العبد حكمة ذلك ، وما يستحق الرب تبارك وتعالى من الحمد على ذلك والحمد لله : هو إلهام من الله للعباد ، فمستقل ومستكثر على قدر معرفة العبد بربه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : " فأقع ساجدا فيلهمني الله محامد أحمده بها لم تخطر على بالي قط ".
عبودية {رب العالمين}
ثم لقول العبد : : { رب العالمين} من العبودية شهود تفرده سبحانه بالربوبية وحده ، وأنه كما أنه رب العالمين ، وخالقهم ، ورازقهم ، ومدبر أمورهم ، وموجدهم ، ومغنيهم ، فهو أيضا وحده إلههم ، ومعبودهم ،وملجأهم ومفزعهم عند النوائب ، فلا رب غيره ، ولا إله سواه.
صفحه ۱۳