فأفضى القلب إلى معاني القرآن ، ووقع في رياضه المونقة وشاهد عجائبه التي تبهر العقول ، واستخرج من كنوزه وذخائره ما عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وكان الحائل بينه وبين ذلك ، النفس والشيطان ، فإن النفس منفعلة للشيطان ، سامعة منه ، مطيعة فإذا بعد عنها ، وطرد ألم بها الملك ، وثبتها وذكرها بما فيه سعادتها ونجاتها.
فإذا أخذ العبد في قراءة القرآن ، فقد قام في مقام مخاطبة ربه ومناجاته ، فليحذر كل الحذر من التعرض لمقته وسخطه ، بأن يناجيه ويخاطبه ، وقلبه معرض عنه ، ملتفت ، إلى غيره ، فإنه يستدعي بذلك مقته ، ويكون بمنزلة رجل قربه ملك من ملوك الدنيا ، وأقامه بين يديه فجعل يخاطب الملك ، وقد ولاه قفاه ، أو التفت عنه بوجهه يمنة ويسرة ، فهو لا يفهم ما يقول الملك ، فما الظن بمقت الملك لهذا.
فما الظن بمقت الملك الحق المبين رب العالمين وقيوم السماوات والأرضين.
حال العبد في الفاتحة
فينبغي بالمصلي أن يقف عند كل آية من الفاتحة وقفة يسيرة ، ينتظر جواب ربه له ، وكأنه يسمعه وهو يقول : " حمدني عبدي " إذا قال : { الحمد لله رب العالمين}.
فإذا قال : { الرحمن الرحيم } وقف لحظة ينتظر قوله : " أثنى علي عبدي ".
فإذا قال : {مالك يوم الدين } انتظر قوله : " مجدني عبدي ".
فإذا قال : { إياك نعبد وإياك نستعين } انتظر قوله تعالى : " هذا بيني وبين عبدي ".
فإذا قال : {اهدنا الصراط المستقيم } إلى آخرها انتظر قوله : " هذا لعبدي ولعبدي ما قال ".
ومن ذاق طعم الصلاة علم أنه لا يقوم مقام التكبير والفاتحة غيرهما مقامها ، كما لا يقوم غير القيام والركوع والسجود مقامها ، فلكل عبوديته من عبودية الصلاة سر وتأثير وعبودية لا تحصل في غيرها ، ثم لكل آية من آيات الفاتحة عبودية وذوق ووجد يخصها لا يوجد في غيرها.
صفحه ۱۱