فتنفست الصعداء، ونظرت إليها فإذا شقة قمر لم ترعيني مثلها، فقالت: بأي بني عامر؟ فقلت: ببني الحريش، فاستعبرت وبكت وانتحبت وقالت: هل سمعت بذكر فتى يقال له: قيس يلقب بالمجنون؟ قلت: أي والله، ونزلت بأبيه وأتيته حتى نظرت إليه يهيم في تلك الفيافي ويكون مع الوحش ما يعقل ولا يفهم، إلا أن تذكر له ليلى فيبكي وينشد الأشعار فيها. فبكت حتى ظنت - والله - أن قلبها قد انصدع، فقلت: أيتها المرأة اتقي الله. فمكثت طويلًا على حالها، ثم أنشأت تقول:
ألا ليت شعري والخطوب كثيرةٌ ... متى رَحل قيس مستقلٌّ فراجع
بنفسي من لا يستقلُّ برحله ... ومن هو إنْ لم يحفظِ الله ضائعُ
ثم غشي عليها فلما أفاقت قلت: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا ليلى المشؤومة عليه، فما رأيت مثل حزنها وجزعها. وقال: محمد بن خلف بن المزربان: هذان البيتان لليلى بنت مهدي بن سعد بن العامرية صاحبة قيس بن الملوح.
قلت أنا: وقد أختلف في نسب المجنون فقيل: جعدي، وقيل: قشيري. وقيل: من بن الحريش، وقيل غير ذلك. فأما ليلى صاحبته فهي من بني عامر أيضًا والله أعلم.
1 / 88