فوضعوا له مسائل وسألوه عنها، فقال: إن أجبتكم عن هذه المسائل لم تعلموا جوابها؛ لأن الجواب لهذه المسائل لا يعرفه إلا طبيب، ولكن أليس عندكم مارستان؟ قالوا: بلى، فجاء إلى باب المارستان، وقال: اقعدوا، لا يدخل معي أحد. ثم دخل وحده ليس معه إلا قيم المارستان، فقال للقيم: إنك والله إن تحدثت بما أعمل صلبتك، وإن سكت أغنيتك. قال: ما أنطق. فأحلفه يمينا محرجة، ثم قال: عندك في هذا المارستان زيت؟ قال: نعم، قال: هاته. فجاء منه بشيء كثير، فصبه في قدر كبير ثم أوقد تحته، فلما اشتد غليانه صاح بجماعة المرضى، فقال لأحدهم: إنه لا يصلح لمرضك إلا أن تنزل في هذا القدر فتقعد في هذا الزيت. فقال المريض: الله الله في أمري. قال: لابد. قال: أنا قد شفيت وإنما كان بي قليل من الصداع. قال: أيش يقعدك في المارستان وأنت معافى؟ قال: دعني أخرج. قال: فاخرج وأخبرهم. فخرج يعدو ويقول: شفيت بإقبال هذا الحكيم، ثم جاء إلى آخر فقال: لا يصلح لمرضك إلا أن تقعد في هذا الزيت. فقال: الله الله، أنا في عافية. قال: لا بد. قال: لا تفعل، فإني من أمس أردت أن أخرج. قال: فإن كنت في عافية فاخرج وأخبر الناس بأنك في عافية. فخرج يعدو ويقول: شفيت ببركة الحكيم. وما زال على هذا الوصف حتى أخرج الكل شاكرين له.
السراج الوراق وزيت الاستصباح
حكي أن السراج الوراق جهز غلاما له؛ ليبتاع زيتا طيبا ليأكل به لفتا، فأحضره وقلبه فوجده زيتا حارا، فأنكر على الغلام ذلك، وأخذه وجاء إلى البياع، وقال له: لم تفعل مثل هذا؟ فقال له: والله يا سيدي ما لي ذنب؛ لأن غلامك قال: أعطني زيتا للسراج.
سوار صاحب الرحبة والأعمى
من غرائب الاتفاق والمكافأة عن الجميل ما أورده محمد بن القاسم الأنباري؛ قال: أخبر سوار صاحب «رحبة سوار» وهو من المشهورين؛ قال: انصرفت يوما من دار أمير المؤمنين المهدي، فلما دخلت منزلي دعوت بالطعام فلم تقبله نفسي، فأمرت به فرفع، ثم دعوت جارية أحدثها فلم تطب نفسي، فدخل وقت القائلة فلم يأخذني النوم، فنهضت وأمرت ببغلة لي فأسرجت وأحضرت فركبتها، فلما خرجت استقبلني وكيل لي ومعه مال، فقلت: ما هذا؟ فقال: ألفا درهم، جئت بها من مستغلك الجديد. فقلت: أمسكها معك واتبعني. فأطلقت رأس البغلة حتى عبرت الجسر، ثم مضيت في شارع دار الرقيق حتى انتهيت إلى الصحراء، ثم رجعت إلى باب الأنبار وانتهيت إلى باب دار نظيف عليه شجرة، وعلى الباب خادم، فعطشت، فقلت للخادم: أعندك ماء تسقينيه؟ قال: نعم. ثم دخل وأحضر قلة نظيفة طيبة الرائحة عليها منديل، فناولني فشربت، وحضر وقت العصر، فدخلت مسجدا على الباب فصليت فيه، فلما قضيت صلاتي إذا أنا بأعمى يتلمس، فقلت: ما تريد يا هذا؟ قال: إياك أريد. قلت: فما حاجتك؟ فجاء حتى جلس إلى جانبي وقال: شممت منك رائحة طيبة، فظننت أنك من أهل النعيم، فأردت أن أحدثك بشيء. فقلت: قل. قال: ألا ترى إلى باب هذا القصر؟ قلت: نعم. قال: هذا قصر كان لأبي، فباعه وخرج إلى خراسان، وخرجت معه فزالت عنا النعم التي كنا فيها وعميت، فقدمت هذه المدينة فأتيت صاحب هذه الدار؛ لأسأله شيئا يصلني به فأتوصل إلى سوار، فإنه كان صديقا لأبي. فقلت: ومن أبوك؟ قال: فلان بن فلان. فعرفته وإذا هو كان أصدق الناس إلي، فقلت له: يا هذا، إن الله - تبارك وتعالى - قد أتاك بسوار، ومنعه من الطعام والنوم والقرار حتى جاء به فأقعده بين يديك. ثم دعوت الوكيل فأخذت الدراهم منه فدفعتها إليه، وقلت: إذا كان غد فسر إلى منزلي. ثم مضيت وقلت: ما أحدث أمير المؤمنين بشيء أظرف من هذا، فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي، فلما دخلت إليه حدثته بما جرى فأعجبه ذلك، وأمر لي بألفي دينار فأحضرت، فقال: ادفعها إلى الأعمى. فنهضت، فقال: اجلس. فجلست، فقال: أعليك دين؟ قلت: نعم. قال: كم دينك؟ قلت: خمسون ألفا. فحدثني ساعة، وقال: امض إلى منزلك. فمضيت إلى منزلي، فإذا بخادم معه خمسون ألفا، وقال: يقول لك أمير المؤمنين: اقض بها دينك. قال: فقبضت ذلك منه، فلما كان من الغد أبطأ علي الأعمى، وأتاني رسول المهدي يدعوني فجئته، فقال: قد فكرت البارحة في أمرك فقلت: يقضي دينه ثم يحتاج إلى القرض أيضا، وقد أمرت لك بخمسين ألفا أخرى. (قال): فقبضتها وانصرفت. فجاءني الأعمى فدفعت إليه الألفي دينار، وقلت له: قد رزق الله - تعالى - بكرمه، وكافأك على إحسان أبيك، وكافأني على إسداء المعروف إليك. ثم أعطيته شيئا من مالي، فأخذه وانصرف.
قاضي الحاجتين بوقت واحد
روي في ربيع الأبرار أنه كان لرجل غلام من أكسل الناس، فأمره بشراء عنب وتين فأبطأ، ثم جاءه بأحدهما فضربه، وقال: ينبغي لك إذا ما استقضيناك حاجة أن تقضي حاجتين. ثم مرض فأمره بأن يأتي بطبيب فأتى به وبرجل آخر. فقال: من هذا الآخر؟ قال: حفار، وأنت أمرتني أن أقضي حاجتين بوقت واحد، فإن طبت فحسن، وإلا فيكون الحفار حاضر.
الأسف على الشباب
من ظريف ما جاء في النواعير قول أبي نواس يصف الدواليب التي تعمل في مدينة تستر ترفع الماء من قراره إلى البساتين المرتفعة:
ودولاب روض بعدما كان أغصنا
صفحه نامشخص