لا شيء في ذاته مشرف أو معيب، عادل أو ظالم، مستحب أو مستكره، حسن أو سيئ، فإن رأيك هو الذي يهب الأشياء صفاتها، كالملح في الطعام. ***
ما التاريخ؟ مجموعة أقاصيص أخلاقية، أو مزيج من الحوادث والخطب البليغة حسبما يكون المؤرخ فيلسوفا أو واعظا، قد توجد فيه قطع بيانية جميلة، ولكن لا ينبغي أن نلتمس فيه الحقيقة؛ لأن الحقيقة هي في إظهار ما بين الأشياء من نسب لازمة، ولا سبيل إلى إثبات هذه النسب؛ لأن المؤرخ عاجز عن اتباع سلسلة العلل والمعلولات، انظر! كلما كانت علة الحادث التاريخي من حادث غير تاريخي، فإن علم التاريخ لا يراها، ولما كان بين الحوادث التاريخية والحوادث اللاتاريخية صلة مكينة، فينتج عن هذا أن الحوادث لا تتسلسل في التواريخ تسلسلا طبيعيا، بل ترتبط بروابط بيانية صنعية، ليس إلا، كذلك لا يعزب عن فكرك أن المؤرخين يميزون بين الحوادث التي تدخل في التاريخ، والحوادث التي لا تدخل فيه إلا اعتباطا، ليس التاريخ إذن بعلم؛ لأنه مقضي عليه، بعيب في طبيعته، أن يلزمه غموض الكذب، وأن يعوزه السياق والاتصال اللذان لا معرفة حقيقية بدونهما، كذلك لا يمكن أن تستخرج من أخبار الأمم وسيرها أقل دلالة يرجم بها عن مستقبلها. ولما كانت خاصة العلوم التنبؤ والإخبار عن الحوادث الآتية كما هو مشاهد في الألواح التي تعين فيها بالحساب الآهلة ومد البحر وجزره والكسوفات قبل وقوعها، فقد أثبتنا أن التاريخ ليس بعلم؛ لأن الثورات والحروب لا تضبط بحساب. ***
علام تؤلف تاريخا؛ إذ ليس عليك إلا أن تنسخ من أشهر كتب التاريخ كما هي العادة؟ إن كان عندك فكر جديد ورأي خاص، أو كنت تظهر الناس والأشياء من وجهة غير مألوفة، فإنك إذن تباغت القارئ، والقارئ لا يحب أن يباغت، هو لا يلتمس في التواريخ إلا الحماقات التي يعرفها، فإذا اجتهدت لتعليمه كانت ثمرة جهدك أنك حقرته في عين نفسه، فأغضبته، لا تحاول إنارة فكره وإلا صرخ قائلا: إنك تسفه عقائده. *** ... وهل الحياة ذاتها بريئة البراءة كلها؟ هل يستطيع أفضلنا أن يهنئ نفسه وهو يسلم الروح على أنه لم يسئ إلى أحد من الناس؟ هل نعلم ما تكلفه الكلمة تخرج اليوم من أفواهنا ما قد تكلف رجلا مجهولا من أتراح وآلام؟ هل نعلم إذ نرسل السهم المجنح أي كبد سيصيب في سيره المقدور؟ ألم يقل الذي جاء إلى هذه الدنيا لينزل ملكوت السماء ذات يوم وهو في جزع النبوة: «أتيتكم بالسيف لا بالسلام؟!»
ومع ذلك، فهو لم يعلم تنازع البقاء ولا ضلالة الحرية الإنسانية، فأي نبي بعد هذا النبي يستطيع أن يضمن لنا أن «السلام» الذي يبشر به لن يكون ملطخا بالدماء؟ كلا، كلا! ليست الحياة بريئة، ولا يحيا المرء إلا بافتراس الحياة والتفكير، وهو أيضا فعل من الأفعال، له نصيب من القساوة الملازمة لكل فعل، لا يوجد فكرة مسالمة قط، وكل فلسفة يراد أن تسود فهي حبلى بالخصومات والمظالم والشرور. ***
التغيير شرط جوهري في الحياة، والمدن كالناس تبقى ما زالت متغيرة متطورة. ***
نحن إذ زينا ملذاتنا جودنا أيضا آلامنا. ***
كلما تقدمت في السن، ازددت يقينا بأن أندر مظاهر الشجاعة هي الشجاعة الفكرية. ***
وظيفة القاضي الجليلة هي أن يضمن لكل ما يخصه؛ للغني غناه وللفقير فقره. ***
إن الأقيسة المنطقية لتحار أمام البداهة، ويمكن القول: إن من المستطاع إثبات كل شيء خلا ما نحس أنه حق، أما إذا عرض لنا موضوع عويص، فالتدليل الآخذ بعضه برقاب بعض، لا يدل إلا على لباقة الفكر وشدة العارضة. ***
أثمن الجوائز ما يوليك شرفا دون منفعة. ***
صفحه نامشخص