يولد الأطفال متدينين، ألم تر أنهم يعبدون ألاعيبهم، ويسألون ألاعيبهم ما سألت البشرية آلهتها منذ الأزل: المسرة والنسيان، والكشف عن المناسبات الحفية وسر الوجود؟! إن الألاعيب كالآلهة تبعث الرعب والحب على السواء، أليست الألاعيب التي كان يسميها صبايا الإغريق «بنات الماء» كالعذارى الإلهيات لتلك الطفولة الأولى، والشياطين التي تخرج من العلاب؟ أليست ترمز مثل غورغونة اليونان وبلعزبوت النصارى عن اتحاد البشاعة المنظورة بالشر الباطن؟! لا ينكر أن الأطفال قد يجاوزون الحد مع آلهتهم، ولكن ألم يشتم الكبار أسماء آلهتهم أيضا؟ إن الأطفال يحطمون ألاعيبهم، ولكن أي رموز لم تحطمها الإنسانية ؟ إن الطفل كالرجل لا يفتأ يبدل مثله العليا، ولن تزال آلهته غير كاملة؛ لأنها صادرة عنه بالضرورة. ***
قوام الوطن معابد الآلهة وقبور الأجداد، وأنت مواطني بوحدة الذكريات والأماني. ***
لا تولد الوطنية بغضا إلا في العقول المحدودة، والقلوب العنيفة التي تضيق ذرعا بفهم التضامن الإنساني، فلا تدرك أن مصير طائفة من الناس متصل في هذه الدنيا بمصير الناس أجمعين. ***
ليس الشر في أنك تحيا، بل في علمك أنك تحيا، الشر هو في المعرفة والإرادة. ***
إن الرجوع إلى العلم في التمييز بين الحادثات الطبيعية والحادثات الخارقة لكالتسليم بأنه الحكم المعصوم في هذه الدنيا: لا نكران أن للعلم وحده في عصرنا أن يفصل بين الرشد والضلال، وأنه لا يصل إلى المعرفة شيء إلا بعد تحقيقه وبإذنه، وأنه لا يعترض على حكمه إلا لديه، ولكن من الجهة الأخرى لا يجب أن تستدعى كل الحادثات إلى محكمته على صورة واحدة لا تبديل لها، فقد تكون ثمة حادثات فريدة نادرة دقيقة، إذا ظل العلم «الرسمي» ينتظرها في لجانه لم تجئ إليه قط، وهنا يبدو لي ما في تدليل أرنست رنان من خطر في مراميه إن لم يكن في أصله، فهو يذهب إذا لم يحترز منه إلى رد كل ما لا يحصل عليه في المختبر، والعلماء ميالون بالطبع إلى إنكار الحادثات المفردة، التي لا تدخل في دائرة ناموس معروف، فأنا أخشى أن ينتهي بهم الأمر إلى رفض الظهورات غير المألوفة، والظهورات الخارقة على السواء، بقولهم: «هذا لم ير مثله من قبل.» إذا كانت المعجزات مخالفات لنواميس الطبيعة فليس يعلم أحد ما هي؛ لأنه لا أحد يعرف نواميس الطبيعة. لم يشهد فيلسوف معجزة في زمن، بل هو عاجز عن أن يشهد ذلك، فلو اجتمع كل صانعي الأعاجيب حوله وعرضوا لأنظاره أعجب الظهورات لأضاعوا وقتهم؛ لأنه إذ ينظر إليها لا يهتم إلا بالبحث عن الناموس الذي يصح إدخالها فيه، فإذا لم يوفق إلى كشفه اكتفى بأن يقول: «إن مجاميعنا الطبيعية والكيميوية ناقصة جدا.» لهذا نقول إنه لم تحصل معجزة قط، أو إذا حصلت معجزة، فليس في الإمكان أن نحيط علما بذلك - النتيجة على كلتا الحالتين واحدة - لأنا نجهل الطبيعة، وإذن نجهل ما ليس في الطبيعة. ***
لا ينبغي أن نقول: «لم يقم على المعجزات دليل، فإذن لا وجود لها.» لأن المؤمنين قد يدعونك حينئذ إلى تحقيق أكمل، والحقيقة هي أن المعجزة لا يصح أن تثبت لا اليوم ولا غدا؛ لأن إثباتها هو كتقديم نتيجة مبتسرة أو سابقة لأوانها، في أقصى ضميرنا ما ينبئنا بأن كل ما يكنه صدر الطبيعة مطابق لنواميسها المعروفة أو المجهولة، بيد أن المرء إذا قدر على إسكات هذا الصوت في باطنه، فلن يستطيع أن يقول: «هذا الحادث هو في خارج حدود الطبيعة.» لأن استكشافنا لن يصل إلى تلك الحدود، وإذا كان الأصل في المعجزة ألا تقع تحت معيار المعرفة، فالدين الذي يثبتها يسند دعواه إلى شاهد لا يمكن إمساكه، ولن يحضر إلى آخر الدهر. ***
إن المعجزة نظرية صبيانية تزول متى بدأ الفكر يتمثل الكون تمثلا منظما، وقد كانت حكمة الإغريق لا تطيق شيئا من هذا القبيل، فكان بقراط يقول في حديثه عن داء الصراع: «يسمون هذا الداء بالداء الإلهي، ولكن الأمراض كلها إلهية وتأتي من الآلهة.» فهو يتكلم بصفته فيلسوفا ماديا، لكن العقل البشري أضعف اليوم يقينا وأقل تثبتا، ولا يغضبني أحد كالقائلين: «نحن لا نؤمن بالمعجزات؛ لأنه لم يقم على إحداهن دليل.» *** ... لن نفتأ نحب هؤلاء الميامين الذين ترسل شفاههم إلى آذاننا تلك السلاسل الذهبية التي حدثت عنها أساطير الغاليين. لن نفتأ نقاد بحسن القول وفصاحة اللسان. ***
لا شيء في الدنيا أجل من الألم. ***
لا ينبغي لك أن تسأل المرأة كل شيء، وخذ اللذة حيث تجدها. ***
السيئ في الرغبات، حتى في أبسطها، هو أنها تخضعنا للغير وتجعلنا غير مستقلين. *** ... كل مصائبنا باطنة ونحن مسببوها، نحسب خطأ أنها تأتينا من الخارج، ولكننا نكونها في باطننا من نفس مادتنا. ***
صفحه نامشخص