ارتج جسده على سرير المستشفى من الضحك، وهو يخبرني بذلك. «نتأمل مؤخرات الأبقار!»
ثم قال لي: إن الشيء الغريب أن أباه نفسه قد هرب من بيته في طفولته، بعد شجار مع أبيه نفسه. فقد عنفه أبوه وضربه لاستخدامه العربة اليدوية. «كان الأمر يتم بهذه الطريقة: كانوا دائما يحصلون على العلف لتقديمه إلى الخيول، دلوا دلوا. ولكن في الشتاء تكون الخيول داخل الإسطبل. ولهذا فكر أبي في حمل العلف إليها في العربة اليدوية. بالطبع كان هذا أسرع. ولكنه تعرض للضرب بسبب تكاسله. هكذا كان الوضع لديهم؛ أي تغيير من أي نوع كان مرفوضا، والكفاءة كانت كسلا بالنسبة إليهم؛ هذا هو تفكير الفلاحين.»
قلت له: «ربما يتفق معهم تولستوي في هذا، وغاندي كذلك.» «تبا لتولستوي وغاندي! فكلاهما لم يعمل وهو صغير.» «ربما لا.» «ولكن العجيب أن هؤلاء القوم تمتعوا يوما بالشجاعة الكافية ليأتوا إلى هنا. لقد تركوا كل شيء، وأداروا ظهورهم لكل شيء عرفوه وجاءوا إلى هنا. كانت مواجهة شمال الأطلسي شيئا مخيفا في حد ذاتها، ثم مواجهة هذا البلد الذي كان بريا. وكذلك الأعمال التي مارسوها، والتجارب التي مروا بها. وعندما وصل جدك الأكبر إلى أراضي هورون كان معه أخوه، وزوجته وأمها، وولداه الصغيران. وبعد وصولهم مباشرة سقطت شجرة على أخيه فأودت بحياته. وفي الصيف التالي أصيبت زوجته وأمها والولدان الصغيران بالكوليرا، وماتت الجدة والطفلان؛ فعاش وزوجته وحيدين، ومضيا ينظفان مزرعتهما ويؤسسان عائلة جديدة. أعتقد أنهما قد استنفدا كل ما لديهما من شجاعة. وأنهكتهما طريقة تنشئتهما ودينهما، والتزامهما الشديد بالتصرف وفقا لما هو مقبول، وكذلك كبرياؤهما. كانت الكبرياء هي ما بقي لهما بعد أن استهلكا ما لديهما من روح المبادرة.»
قلت له: «لكن ليس أنت؛ أنت هربت.» «لم أهرب بعيدا.» •••
بعد أن كبرت عماتي في السن قمن بتأجير المزرعة، ولكنهن واصلن حياتهن بها. إحداهن أصيبت عيناها بالمياه البيضاء، وأخرى أصيبت بالتهاب المفاصل، ولكنهن استمررن على حالهن واعتنين بعضهن ببعض، ومتن هناك، كلهن باستثناء آخرهن، عمتي ليزي، التي اضطرت إلى الذهاب لدار المسنين الحكومية التابعة للمقاطعة. لقد عشن سنوات طويلة، ورغم كل شيء، كن عائلة ذات قدرة كبيرة على الاحتمال، مقارنة بآل تشادلي، الذين لم يصل أحدهم إلى سن السبعين. (ماتت قريبتنا أيريس بعد ستة أشهر من زيارتها ألاسكا.) اعتدت أن أرسل إليهن بطاقة معايدة في عيد الميلاد، وكنت أكتب عليها: «إلى جميع عماتي، مع حبي، وعيد سعيد.» كنت أفعل هذا لأني لم أستطع تذكر أيهن ماتت وأيهن لم تزل على قيد الحياة. كنت قد رأيت شاهد قبرهن عندما دفنت أمي. كان نصبا تذكاريا متواضعا ومحفورا عليه جميع أسمائهن وتواريخ ميلادهن، بالإضافة إلى تاريخ وفاة اثنتين منهن (جينيت - طبعا - وربما سوزان)، أما مكان باقي التواريخ ففارغ. ربما يكون الآن قد امتلأ بالتواريخ.
كن يرسلن إلي بطاقة معايدة أيضا، عليها إكليل أو شمعة، ومعلومات عنهن في بضع جمل: «الشتاء لطيف حتى الآن، والجليد لم يتساقط كثيرا. كلنا بخير باستثناء أن عين كلارا لم تتحسن. أجمل تمنياتنا.»
فكرت فيهن وهن مضطرات إلى الخروج لشراء بطاقة المعايدة، ثم الذهاب إلى مكتب البريد وشراء الطوابع. كان تصرفهن ينم عن الوفاء، أقصد أن يكتبن ويرسلن تلك الجمل إلى مكان لا يمكنهن تخيله مثل فانكوفر، إلى شخص من دمهن يعيش حياة غريبة تماما بالنسبة إليهن، شخص سيقرأ البطاقة وكله إحساس بالذهول والذنب غير المبرر. لقد شعرت فعلا بالذنب والذهول وأنا أفكر أنهن ما زلن يعشن هناك، وما زلن متعلقات بي. ولكن أي رسالة من موطني - في تلك الأيام - كانت تشعرني بأنني خائنة.
في المستشفى، سألت أبي ما إذا كان لأي من شقيقاته حبيب. «لا يمكن أن تسميه حبيبا. لا. كانت هناك دعابة حول السيد بلاك. كان يقال إنه بنى كوخه هناك لأنه معجب بسوزان، ولكني لا أعتقد هذا. كان رجلا بساق واحدة بنى كوخه في جانب من الحقل في الناحية الأخرى من الطريق، ومات هناك. كل ذلك قبل أن أولد؛ فقد كانت سوزان هي أكبرنا - كما تعلمين - وكانت في العشرين أو الحادية والعشرين عندما ولدت.» «إذن أنت لا تعتقد أنها مرت بقصة حب؟» «لا أعتقد هذا. كانت مجرد دعابة. كان الرجل نمساويا أو شيئا من هذا القبيل. وكان بلاك هو الاسم الذي أطلق عليه، أو ربما ما أطلقه هو على نفسه. ما كنا لنسمح لها بالاقتراب منه. وقد دفن هناك تحت جلمود كبير. ثم هدم أبي الكوخ واستخدم الأخشاب ليبني عشة الفراخ.»
أتذكر هذا. أتذكر هذا الجلمود. أتذكر جلوسي على الأرض وأنا أراقب أبي وهو يصلح أعمدة السور. سألته ما إذا كانت هذه ذكرى حقيقية. «أجل، ربما. لقد كنت معتادا على الخروج وإصلاح الأسوار عندما مرض والدي ولازم الفراش. لم تكوني كبيرة جدا وقتها.» «كنت جالسة أراقبك، وقد قلت لي: هل تعلمين ما هذا الحجر الكبير؟ إنه شاهد قبر. لا أذكر أنني سألتك لمن هذا الشاهد؛ ربما اعتقدت أنك تمزح.» «لم أكن أمزح. كان بالفعل شاهد القبر. كان السيد بلاك مدفونا تحتها. هذا يذكرني بشيء آخر. ألم أخبرك بكيفية موت الجدة والولدين الصغيرين؟ كانت الجثث الثلاث موجودة في البيت في نفس الوقت، ولم يكن لديهم ما يصنعون به الأكفان باستثناء ستائر الدانتيلا التي جاءوا بها من موطنهم القديم. أعتقد أنه كان يجب التصرف سريعا عندما تكون الوفاة بسبب الكوليرا، خصوصا في الصيف؛ وبالتالي كان هذا ما دفنوهم فيه.» «ستائر الدانتيلا!»
بدا أبي خجلا، كما لو أنه قد أعطاني هدية، وقال بفجاجة: «حسنا، أعتقد أن هذا النوع من التفاصيل هو ما قد يكون مشوقا بالنسبة إليك.» •••
صفحه نامشخص