قال الذهبي: ثبت الله علينا عقولنا وإيماننا. فمن تسبب في زوال عقله بجوع، ورياضة صعبة، وخلوة، فقد عصى وأثم، وضاهى من أزال عقله بعض يوم بسكر. فما أحسن التقيد بمتابعة السنن والعلم (14/256).
بين الرهبانية والتصوف:
قال ابن أبي الحواري: قلت لراهب في دير حرملة، وأشرف من صومعته: ما اسمك؟ قال: جريج. قلت: ما يحبسك؟ قال: حبست نفسي عن الشهوات. قلت: أما كان يستقيم لك أن تذهب معنا ها هنا، وتجيء وتمنعها الشهوات؟ قال: هيهات!! هذا الذي تصفه قوة، وأنا في ضعف، قلت: ولم تفعل هذا؟ قال: نجد في كتابنا أن بدن ابن آدم خلق من الأرض، وروحه خلق من ملكوت السماء، فإذا أجاع بدنه وأعراه، وأسهره وأقمأه نازع الروح إلى الموضع الذي خرج منه، وإذا أطعمه وأراحه أخلد البدن إلى الموضع الذي خلق منه، فأحب الدنيا. قلت: فإذا فعل هذا يعجل له في الدنيا الثواب؟ قال: نعم، نور يوازيه. فحدثت بهذا أبا سليمان الداراني، فقال: قاتله الله، إنهم يصفون.
قال الذهبي: الطريقة المثلى هي المحمدية، وهي الأخذ من الطيبات، وتناول الشهوات المباحة من غير إسراف، كما قال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) [المؤمنون:51]. وقد قال النبي ^: "لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآتي النساء، وآكل اللحم. فمن رغب عن سنتي فليس مني"(1)، فلم يشرع لنا الرهبانية، ولا التمزق ولا الوصال، بل ولا صوم الدهر، ودين الإسلام يسر وحنيفية سمحة، فليأكل المسلم من الطيب إذا أمكنه، كما قال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته) [الطلاق:7] وقد كان النساء أحب شيء إلى نبينا ^، وكذلك اللحم والحلواء والعسل، والشراب الحلو البارد، والمسك، وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى الله تعالى.
صفحه ۴۶