فقالت في لوم: أنت أيضا تقول هذا؟
فقلت: لست أقول هذا وليس الأمر متوقفا على قولي، المهم هو هل هذه المرأة زوجته؟ هل عندها وثيقة زواج؟ هذا هو المهم.
فصاحت أمي: ما هذا الكلام يا ابني؟ لا يمكن! لا يمكن أبدا. أتقول كما يقول الناس يا سيد؟ عيب يا ولدي، هل كان السيد أحمد مختل العقل حتى يتزوج امرأة مثلها، إنها مصيبة! وتقول مع هذا أن المهم هو الوثيقة؟
وسبحت في تأمل هذه الأقوال صامتا وأمي تتحدث في صوت غاضب حزين بأقوال لم ألق انتباها إليها.
كنت أسأل نفسي: من تكون هذه المرأة؟ وما هو ذلك الولد؟ وهل هو حمادة الأصفر يظهر مرة أخرى بإحدى ألاعيبه الخبيثة؟ أتكون هي المرأة التي حدثني عنها من قبل في هذيانه: زينب الشقراء أو السمراء؟ وما السر في أنها لم تبدأ فضيحتها إلا في هذه الأيام مع أن علاقته بها إن كانت صحيحة تبدأ منذ سنوات؟ وكانت صورة منى دائما أمامي حزينة تبكي وتشعر بالذلة.
وتنبهت بعد حين إلى صوت أمي وهي تدعوني إلى العشاء، فقمت فاترا مستسلما وذهبت لأغسل رأسي من تراب السفر، وأكلت شيئا خفيفا حتى لا أظهر مبلغ اضطرابي واهتمامي، ثم قمت لأذهب إلى دار السيد أحمد المسكين؛ لأؤدي واجبي في العزاء.
وكان في فناء المحلج سرادق كبير في المكان الذي كان فيه السرادق الضخم في آخر ليلة ذهبت فيها إلى المحلج في أيام الانتخاب، فدخلت بنفس جياشة أسير على مهلي حتى جلست في أقرب مكان من السرادق، وأقبل مصطفى عجوة مسرعا نحوي وحياني شاكرا كأنه صاحب «المعزى»، وجلس إلى جانبي يهمس لي بعبارات المجاملة المعتادة، وأجبته بالعبارات المألوفة في الرد عليها.
ومال علي قائلا: أتحب أن تصعد إلى الدار للعزاء؟
فشعرت له بما يشبه الشكر وقلت: إذا كان ذلك ممكنا.
فقام آخذا بيدي حتى بلغنا الطبقة العليا وتقدمني إلى رأس السلم وصفق للخادمة وهمس لها بكلمات قليلة، وبعد لحظة جاءت السيدة نور في ملابس الحداد، وكنت لم أرها منذ أشهر طويلة، فما وقعت عينها علي حتى أجهشت بالبكاء، فاختنق صوتي برغمي ولم أستطع أن أنطق، واستغرقت السيدة في البكاء حتى اتكأت على حاجز السلم، ووضعت منديلها على عينيها مفحومة ... فاقتربت منها قائلا: تجلدي يا سيدتي.
صفحه نامشخص