فضج صاحبي ضاحكا وصاح بي قائلا: أيها المزهو بنفسه، المعتد بسحره وفتونه، أتحسبك أوتيت على النفوس سلطانا، أم تراك من الغواة الماكرين ...؟ ما هذا من شأنك، فإن له أربابه وله سحرته وأساطينه، وإني معاهدك على أنني نازل لك عن راتب أسبوع كامل لو فعلت الذي قلت.
قلت: لقد رضيت رهانك، فهات ورقا ولنجعله بيننا موثقا ليكون أشد إلزاما وأضمن وفاء.
وكتبنا التعهد في صورتين، أخذ هو صورة، وحفظت أنا الأخرى.
وانثنى يسخر مني ويعبث بي قائلا: والآن يا سيد روميو، بل يا أمير العشق والعاشقين، صن فؤادك واحذر لمهجتك، وراقب الله في حشاشتك، فإن أخوف ما أخافه عليك أن تسقط أسير حب وتقع من جمالها في شراك فتكون من الهالكين.
وكان أهل «سوسن» يقيمون غير بعيد من شاطئ النهر، حيث كنا نشتغل في تركيب آلة رافعة لري وسقي، ففي غداة اليوم الذي تلا يوم الرهان، أوقعت عمدا الجرة التي نحفظ فيها الماء لشربنا، وذهبت متشفعا مستسقيا إلى دار أهلها معللا النفس بنظرة منها أبلو بها الأمر الذي أنا له، وأعد له عدته ...
وكان التوفيق رائدي؛ إذ لقيتني «سوسن» نفسها لدى الباب.
قلت: جئت مستسقيا، فهل في قليل من الماء تأذنين؟ فإن ماء النهر لا يطيب للشاربين.
قالت: حبا وكرامة، وابتسمت.
ويح النفس من ابتسامها! لقد كانت أفتن ابتسامة شهدتها على فم حسناء.
وأردفت تقول: تعال لأريك موضع البئر ...
صفحه نامشخص