ومن الجديرين بالتقديس أنبياء الماضي وأئمة الإصلاح في كل جيل؛ لأنهم خدموا الإنسانية وزودوها بالأمل والعزاء وفتحوا لها طريق الاستقامة والعمل المشكور، وقد جعل لكل نبي من هؤلاء الأنبياء، موعدا يذكر فيه وشعائر مرعية لعبادة الإنسانية في ذكراه.
وخير ما يستفاد من مذهب كونت أن الدين حاجة إنسانية لا غنى عنها، وأن الله كما قال فولتير: لو لم يكن موجودا لوجب إيجاده في العقل والضمير، ويبقى أن كونت يتخطى الركن الأكبر من أركان الإيمان وهو الصلة بين النوع البشري وعالم اللانهاية، فإذا كانت الصلة بين الإنسان واللانهاية تنقطع لأن اللانهاية لا يحاط بها في العقول، فمعنى ذلك أن «اللانهاية» لن يؤمن بها لأنها لا نهاية، وأن الكمال المطلق لن يؤمن به لأنه كمال مطلق، وأن يكون السبب المستحق للإيمان هو السبب المبطل للإيمان في رأي فيلسوف العقل والتجربة، وما كان العقل والتجربة لينكرا قولا هو أحق بالإنكار من هذا الرأي العجيب، وأصح من هذا أن يقال: إن الكمال المطلق لا يحاط به، ولكن هناك وسيلة للإيمان به غير تجارب العلوم وحدود المنطق، وقد وجدت هذه الوسيلة فعلا ولم يقتصر القوم فيها على أنها فرض من الفروض.
التصوف
لا بد من فصل خاص عن التصوف بين فصول الكلام على الفكرة الإلهية؛ لأنه ينفرد بتفسيرات في هذا الموضوع لا تتواتر في العقائد العامة ولا تشبه المذاهب العقلية التي يذهب إليها الفلاسفة.
وهو ملكة فردية يستعد لها بعض الآحاد ولا تشيع في الجماعات، وقد توصف «بالعبقرية الدينية» إذا بلغت مرتبة التأصل والابتكار.
ومن لغو القول أن يقال إن هذه العبقرية هي نوع من التسامي بالغريزة النوعية أو الجنسية، لكثرة ما يرد في أقوال المتصوفة من عبارات الغزل وكنايات الوجد والشوق والهيام.
فهم في الواقع يكثرون من هذه العبارات والكنايات، ويتكلمون في الوصل والهجر والشوق والدلال كما يتكلم العشاق في قصائد الغزل والمناجاة.
فيقول الحلاج مثلا: «يا أهل الإسلام! أغيثوني، فليس يتركني ونفسي فآنس بها، وليس يأخذني من نفسي فأستريح منها، وهذا دلال لا أطيقه.»
وتقول رابعة العدوية:
أحبك حبين حب الهوى
صفحه نامشخص