الولاء والبراء بين الغلو والجفاء في ضوء الكتاب والسنة
الولاء والبراء بين الغلو والجفاء في ضوء الكتاب والسنة
ناشر
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
ژانرها
فقد سبق أن مناط التكفير في (الولاء والبراء) هو عَمَلُ القلب، فحُبّ الكافر لكُفْره، أو تمنِّي نصرة دين الكفار على دين المسلمين، هذا هو الكفر في (الولاء والبراء) . أمّا مجرّد النصرة العمليّة للكفار على المسلمين، فهي وحدها لا يُمكن أن يُكَفَّر بها؛ لاحتمال أن صاحبها مازال يُحبُّ دين الإسلام ويتمنّى نصرته، لكن ضَعْفَ إيمانه جعله يُقدِّمُ أمرًا دنيويًّا ومصلحةً عاجلة على الآخرة.
ودليل هذا التقرير: «قصةُ حاطب بن أبي بلتعة ﵁، عندما كاتب كفارَ مكّة سِرًّا، يخبرهم بعزم رسول الله ﷺ أن يغزوهم، وعلم النبي ﷺ بذلك، فأرسل مَن أخذ الكتاب مِمّن خرج ليصل به إلى كفار مكة. ودعا حاطبًا، فقال له ﷺ: «يا حاطب، ما هذا؟!»، قال: لا تعجل عليَّ يا رسول الله! إني كنتُ أمرأً مُلْصَقًا في قريش (وكان حليفًا لهم، ليس من أنفسهم)، وكان مِمّن معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون أهليهم، فأحببتُ-إذ فاتني ذلك من النسب فيهم- أن أتّخذَ فيهم يدًا، يحمون بها قرابتي. ولم أفعلْه كُفْرًا، ولا ارتدادًا عن ديني، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام. فقال النبي ﷺ: «صدق» . فقال عمر: دَعْني- يا رسول الله - أضربْ عُنُقَ هذا المنافق؟ فقال ﷺ: «إنه قد شهد بدرًا، وما يُدريك. . لعلّ الله اطَّلعَ على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم» (١) .
وقد صَرّحَ شيخُ الإسلام ابن تيميّة: أنّ ما وقع من حاطب بن أبي بلتعة ذنبٌ وليس كفرًا (٢) .
_________
(١) انظر: صحيح البخاري (رقم ٣٠٠٧، ٣٠٨١، ٣٩٨٣، ٤٢٧٤، ٤٨٩٠، ٦٢٥٩، ٦٩٣٩) وصحيح مسلم (رقم ٢٤٩٤، ٢٤٩٥) .
(٢) انظر: شرح حديث جبريل ﵇ الإيمان الأوسط - (٤٠٢ - ٤٠٣)، ومجموع الفتاوى (٧ / ٥٢٢ - ٥٢٣) . بل إن شيخ الإسلام مع تكفيره للتتار، قال عمن يقاتل المسلمين مع التتار (٢٨ / ٥٥٢): " وأيضًا لا يقاتل معهم - غير مكره - إلا فاسق، أو مبتدع، أو زنديق. . ". فها هو فصل أصناف المقاتلين معهم، ولم يجعلهم قسمًا واحدًا، ولم يكفر بمجرد القتال معهم.
1 / 16