Al-Mawsu'ah Al-'Aqidiya - Al-Durar Al-Sunniyah
الموسوعة العقدية - الدرر السنية
ناشر
موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net
ژانرها
المبحث الثاني: حجية فهم السلف الصالح لنصوص الكتاب والسنة
إذا اختلف أهل القبلة وتنازعوا الحق والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، فإن أجدر الفرق بالصواب وأولاها بالحق وأقربها إلى التوفيق من كان في جانب أصحاب محمد ﷺ، وإذا كان الكتاب الكريم حمال أوجه في الفهم مختلفة؛ فإن بيان أصحاب نبينا ﷺ له حجة وأمارة على الفهم الصحيح. أبر الأمة قلوبًا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفًا، وأصحها فطرة، وأحسنها سريرة، وأصرحها برهانًا، حضروا التنزيل وعلموا أسبابه، وفهموا مقاصد الرسول ﷺ وأدركوا مراده، اختارهم الله تعالى على علم على العالمين سوى الأنبياء والمرسلين، (وكل من له لسان صدق من مشهور بعلم أو دين، معترف بأن خير هذه الأمة هم الصحابة ﵃ (١).
(فمن أخبرنا الله ﷿ أنه علم ما في قلوبهم، فرضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم، أو الشك فيهم البتة) (٢).
قال قتادة ﵀ في قوله تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سبأ: ٦] (أصحاب محمد ﷺ (٣).
وقال سفيان ﵀ في قوله تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النحل:٥٩] (هم أصحاب محمد ﷺ (٤).
وفي منزلة علمهم واجتهادهم وفتاواهم قال الشافعي ﵀: ... فعلموا ما أراد رسول الله ﷺ عامًا وخاصًا، وعزما وإرشادًا، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله ﷺ فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله (٥).
وأفضل علم السلف ما كانوا مقتدين فيه بالصحابة.
يقول ابن تيمية ﵀: ولا تجد إمامًا في العلم والدين، كمالك، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومثل: الفضيل وأبي سليمان، ومعروف الكرخي، وأمثالهم، إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة، وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة، وهم يرون الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب (٦).
ثم إن التابعين وتابعيهم قد حصل لهم من العلم بمراد الله ورسوله ما هو أقرب إلى منزلة الصحابة ممن هم دونهم؛ وذلك لملازمتهم لهم، واشتغالهم بالقرآن حفظا وتفسيرًا، وبالحديث رواية ودراية، ورحلاتهم في طلب الصحابة وطلب حديثهم وعلومهم مشهورة معروفة، (ومن المعلوم أن كل من كان بكلام المتبوع وأحواله وبواطن أموره وظواهرها أعلم، وهو بذلك أقوم كان أحق بالاختصاص به، ولا ريب أن أهل الحديث أعلم الأمة وأخصها بعلم الرسول ﷺ (٧).
(١) «شرح العقيدة الأصفهانية» لابن تيمية (ص ١٦٥). (٢) «الفصل في الملل والنحل» لابن حزم (٤/ ١١٦). (٣) «تفسير الطبري» (٢٢/ ٤٤). (٤) «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (٣/ ٣٧٠). (٥) «أعلام الموقعين» لابن قيم الجوزية (١/ ٨٠)، ونسبه إلى الإمام الشافعي في «الرسالة البغدادية القديمة». (٦) «شرح العقيدة الأصفهانية» لابن تيمية (ص١٦٥). (٧) «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية (٤/ ٩١).
1 / 70