وَهُوَ يعلم أَنه خَال من كل ذَلِك وَأَنه لَا حَظّ لَهُ فِي شَيْء من ذَلِك ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك فِي حَالَة المزهو التياه وَلَقَد تسببت إِلَى سُؤال بَعضهم فِي رفق ولين عَن سَبَب علو نَفسه واحتقاره النَّاس فَمَا وجدت عِنْده مزيدا على أَن قَالَ لي أَنا حر لست عبد أحد فَقلت لَهُ أَكثر من ترَاهُ يشاركك فِي هَذِه الْفَضِيلَة فهم أَحْرَار مثلك لَا قوما من العبيد هم أطول مِنْك يدا وَأمرهمْ نَافِذ عَلَيْك وعَلى كثير من الْأَحْرَار فَلم أجد عِنْده زِيَادَة فَرَجَعت إِلَى تفتيش أَحْوَالهم ومراعاتها ففكرت فِي ذَلِك سِنِين لأعْلم السَّبَب الْبَاعِث لَهُم على هَذَا الْعجب الَّذِي لَا سَبَب لَهُ فَلم أزل أختبر مَا تنطوي عَلَيْهِ نُفُوسهم بِمَا يَبْدُو من أَحْوَالهم وَمن مراميهم فِي كَلَامهم فاستقر أَمرهم على أَنهم يقدرُونَ أَن عِنْدهم فضل عقل وتميز رَأْي أصيل لَو أمكنتهم الْأَيَّام من تصريفه لوجدوا فِيهِ متسعا ولأداروا الممالك الرفيعة ولبان فَضلهمْ على سَائِر النَّاس وَلَو ملكوا مَالا لأحسنوا تصريفه فَمن هَا هُنَا تسرب التيه إِلَيْهِم وسرى الْعجب فيهم وَهَذَا مَكَان فِيهِ للْكَلَام شعب عَجِيب ومعارضة مُعْتَرضَة وَهُوَ أَنه لَيْسَ شَيْء من الْفَضَائِل كلما كَانَ الْمَرْء مِنْهُ أعرى قوي ظَنّه فِي أَنه قد استولى عَلَيْهِ وَاسْتمرّ يقينه فِي أَنه قد كمل فِيهِ إِلَّا الْعقل والتمييز حَتَّى إِنَّك تَجِد الْمَجْنُون المطبق والسكران الطافح يسخران بِالصَّحِيحِ وَالْجَاهِل النَّاقِص يهزأ بالحكماء وأفاضل الْعلمَاء وَالصبيان الصغار يتهكمون بالكهول والسفهاء العيارين يستخفون بالعقلاء المتصاونين وضعفة النِّسَاء يستنقص عقول أكَابِر الرِّجَال وآراءهم وَبِالْجُمْلَةِ فَكلما نقص الْعقل توهم صَاحبه أَنه أوفر النَّاس عقلا
1 / 77