وَاعْلَم أَن رياضة الْأَنْفس أصعب من رياضة الْأسد لِأَن الْأسد إِذا سجنت فِي الْبيُوت الَّتِي تتَّخذ لَهَا الْمُلُوك أَمن شَرها وَالنَّفس وَإِن سجنت لم يُؤمن شَرها الْعجب أصل يتَفَرَّع عَنهُ التيه والزهو وَالْكبر والنخوة والتعالي وَهَذِه أَسمَاء وَاقعَة على معَان مُتَقَارِبَة وَلذَلِك صَعب الْفرق بَينهَا على أَكثر النَّاس فقد يكون الْعجب لفضيلة فِي المعجب ظَاهِرَة فَمن معجب بِعِلْمِهِ فيكفهر ويتعالى على النَّاس وَمن معجب بِعَمَلِهِ فيترفع وَمن معجب بِرَأْيهِ فيزهو على غَيره وَمن معجب بنسبه فيتيه وَمن معجب بجاهه وعلو حَاله فيتكبر ويتنخى وَأَقل مَرَاتِب الْعجب أَن ترَاهُ يتوفر عَن الضحك فِي مَوَاضِع الضحك وَعَن خفَّة الحركات وَعَن الْكَلَام إِلَّا فِيمَا لَا بُد لَهُ من أُمُور دُنْيَاهُ وعيب هَذَا أقل من عيب غَيره وَلَو فعل هَذِه الأفاعيل على سَبِيل الِاقْتِصَار على الْوَاجِبَات وَترك الفضول لَكَانَ ذَلِك فضلا وموجبا لحمده وَلَكِن إِنَّمَا يفعل ذَلِك احتقارا للنَّاس وإعجابا بِنَفسِهِ فَحصل لَهُ بذلك اسْتِحْقَاق الذَّم وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلكُل امْرِئ مَا نوى حَتَّى إِذا زَاد الْأَمر وَلم يكن هُنَاكَ تَمْيِيز يحجب عَن تَوْفِيَة الْعجب حَقه وَلَا عقل جيد حدث من ذَلِك ظُهُور الاستخفاف بِالنَّاسِ واحتقارهم بالْكلَام وَفِي الْمُعَامَلَة حَتَّى إِذا زَاد ذَلِك وَضعف التَّمْيِيز وَالْعقل وترقى ذَلِك إِلَى الاستطالة على النَّاس بالأذى بِالْأَيْدِي والتحكم وَالظُّلم والطغيان واقتضاء الطَّاعَة لنَفسِهِ والخضوع لَهَا
1 / 75