الْخَيْر وَمَا أعلم لحب الْمَدْح فضلا إِلَّا هَذَا وَحده وَهُوَ أَن يَقْتَدِي بِهِ من يسمع الثَّنَاء وَلِهَذَا يجب أَن تؤرخ الْفَضَائِل والرذائل لينفر سامعها عَن الْقَبِيح الْمَأْثُور عَن غَيره ويرغب فِي الْحسن الْمَنْقُول عَمَّن تقدمه ويتعظ بِمَا سلف تَأَمَّلت كل مَا دون السَّمَاء وطالت فِيهِ فكرتي فَوجدت كل شَيْء فِيهِ من حَيّ وَغير حَيّ من طبعه ان قوي ان يخلع عَن غَيره من الانواع كيفياته ويلبسه صِفَاته فترى الْفَاضِل يود لَو كَانَ النَّاس فضلاء وَترى النَّاقِص يود لَو كَانَ النَّاس نقصاء وَترى كل من ذكر شَيْئا يحض عَلَيْهِ يَقُول وَأَنا أفعل أمرا كَذَا وكل ذِي مَذْهَب يود لَو كَانَ النَّاس موافقين لَهُ وَترى ذَلِك فِي العناصر إِذا قوي بَعْضهَا على بعض أَحَالهُ إِلَى نوعيته وَترى ذَلِك فِي تركيب الشّجر وَفِي تغذي النَّبَات وَالشَّجر بِالْمَاءِ ورطوبة الأَرْض وإحالتهما ذَلِك إِلَى نوعيتها فسبحان مخترع ذَلِك ومدبره لَا إِلَه إِلَّا هُوَ من عَجِيب قدرَة الله تَعَالَى كَثْرَة الْخلق ثمَّ لَا ترى أحدا يشبه آخر شبها لَا يكون بَينهمَا فِيهِ فرق وَقد سَأَلت من طَال عمره وَبلغ الثَّمَانِينَ عَاما هَل رأى الصُّور فِي مَا خلا مشبهة لهَذِهِ شبها وَاحِدًا فَقَالَ لي لَا بل لكل صُورَة فرقها وَهَكَذَا كل مَا فِي الْعَالم يعرف ذَلِك من تدبر الْآلَات وَجَمِيع الْأَجْسَام المركبات وَطَالَ تكَرر بَصَره عَلَيْهَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُمَيّز مَا بَينهَا وَيعرف بَعْضهَا من بعض بفروق فِيهَا تعرفها النَّفس وَلَا يقدر أحد يعبر عَنْهَا بِلِسَانِهِ فسبحان الْعَزِيز الْحَكِيم الَّذِي لَا تتناهى مقدوراته
1 / 64