وجبران عندنا، أيها الأستاذ، كولي الدين عندكم، كلاهما لم يذكرهما المنهاج. وهذا «المفصل» الذي وضعته لجنة من أساتيذكم، أذكر ولي الدين؟ مع أن مؤلفيه قدموا بين يدي مفصلهم أنهم «لم يقتصروا في الكتاب على ما دل عليه المنهج، بل لقد زادوا عليه ما رأوا فيه نفعا، وترجموا لرجال رأوا في الترجمة لهم أجزالا في الفائدة.»
أما من فائدة ترجى من أدب ولي الدين وجبران وفرح؟
إننا لا نطمع منكم، يا أستاذ، بأسماء شوارع ونصب تماثيل بل: اذكرونا مثل ذكرانا لكم ...
لقد أقر منهاجنا ولي الدين، فليتكم تذكرون جبران ليصبح قول الإنجيل: لا يكرم نبي في وطنه. ولكن كيف أتمنى عليكم ذلك وأدباؤكم لم يقولوا كلمة فيه بعد موته؟
لشد ما عتبت على خليل مطران يوم قرأت مقاله: «رواد النهضة الحديثة» في هلال حزيران! فوا عجبا له! أينسى ولي الدين وجبران وفرح أنطون، ويذكر أسماء لم نسمع بها؟ فمن الحيف أن ينساهم خليل الذي لا ينسى أحدا، ويجود على كل مخلوق بثناء، ولو بشيء كشعر بشار في: «ربابة ربة البيت»
قلت يا شاعر الأقطار الجليل: إن في من ذكرت «الشموس والأقمار والكواكب الصغيرة الأقدار.» أليس هؤلاء شيئا من هذا؟ كنت ذكرتهم وبرأت ذمتك، فمن تراه يذكرهم عندك؟ أعبد العزيز البشري، مفخرة العرب، كما سمعناك تلقبه ليلة شوقي؟
ما أسخاك يا خليل بالألقاب!
انظر، فهذا مفخرة العرب الشيخ عبد العزيز ينوب عن الرحمن الرحيم في مفصله، حين يترجم لرجال النهضة الحديثة، «فيرحم» منهم من يشاء، ويحرم من «رحمة الله الواسعة» الخشاب والعطار، وزيدان مؤرخ التمدن الإسلامي، وصروف معلم ناموس النشوء، والبستاني، واليازجي، حتى أحمد فارس الشدياق الذي جهزه أمير المؤمنين ودفنه في وطنه.
هذا «المفصل» أمامك يا خليل، عسى أن تكون أنت من المرحومين بعد العمر كله، فبص وقل معي: قاتل الله نعرات الشرق، فهي كليل ابن الفارض، وحملها معي دم شهداء الأدب كما حمل المسيح جيله دم الأنبياء وكان منهم.
ثم ما لي أطلب إلى مصر ولبنان أنصاف هؤلاء النوابغ، فولي الدين يكن بغني عن «المجمل والمفصل» وفرح يحيا بآثاره الخالدة يوم يؤرخ الأدب تأريخا نزيها لا عوج فيه. لا أنسى فصل العقاد في فرح، فقد أنصفه ووفاه حقه. أما جبران صاحب «النبي» و«الأجنحة المتكسرة» فهو خالد بمصطفاه وسلماه، لا بما خطوا فوق مضجعه: «هنا يرقد نبينا جبران» فالأنبياء قد ختموا.
صفحه نامشخص