وتحصيل دقائق فروعها وأصولها، فالخوض فيها لقاصر العلم مثلي خطر، والكشف عن لثامها مع كلالة الذهن صعب عسير) ١.
فدلّ ذلك على ورعه واتّسامه بتواضع العلماء العاملين بالكتاب والسنّة، ولم يكن هذا منهجًا يطبقه في خاصة نفسه فحسب، بل كان يدعو غيره من الشيوخ ومن يقتدي بهم للالتزام به، وكان يشهّر على من يترفّع عن الناس، ولا يتواضع لهم.
فمن ذلك ما ذكره في خاتمة هذه الأجوبة عن بعض الشيوخ الذين يترفّعون عن أصحابهم ورفقائهم في المجلس بفراش دونهم، أو في الممشى بأن يمشوا خلفهم، ونصّ على أن ذلك مخالف لمنهج الأوائل من السلف الصالح الذين كانوا ﴿يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ ٢، ولا يمتازون عن أصحابهم ورفقائهم بشيء.
واستدلّ على ذلك بصنيع الإمام أحمد بن حنبل في عدم سماحه للناس بأن يمشوا خلفه ٣.
فدلّ ذلك على قوة دينه وتمسّكه بالكتاب والسنة والانكسار على من خالفهما.
أسرته:
من خلال تتبّعى لكتب التراجم، لم أقف على من تكلّم عن أسرة هذا الإمام، ولكن يبدو لي: أن أسرته أسرة علميّة اتّصفت بالخلق المتين، والدين والورع.
وقد دلّ على ذلك ما اتّسمت به شخصيّة هذا الإمام العلميّة والجهاديّة -كما سيأتى- ٤ فإنّ إمامًا مثله- اجتمعت لديه الكثير من العلوم- لا بدّ أنّ يكون قد
_________
١ - أنظر القسم التحقيقى: ١٥٥ - ١٥٦.
٢ - سورة الحشر / آية: ٩، وتمامها: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ ةاجَرَ إِلَفيهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
٣ - أنظر الخاتمة في القسم التحقيقى: ٤٥٧.
٤ - أنظر: مكانته العلميّة والجهاديّة: ٥١ - ٥٦.
1 / 37