الفصل الخامس عشر
لو ترك سباعي مقتل أبو سريع يمر دون أن يهتم به اهتمام الإنسان على خاصة حياته لكان معنى هذا قاصما بالنسبة له؛ فإن هذا يحمل في طواياه تهديدا مباشرا لسباعي. والقاتل يعلنه أنك لست عنا ببعيد، نقتلك حين نشاء؛ فحياة سباعي إذن أصبحت أسهل شيء منالا، ولم يكن سباعي يحب أن يموت. والأمر الذي لا شك فيه أن مقتل أبو سريع ضياع لهيبة سباعي، وإعلان أنه لم يصبح مرهوب الجانب في المنطقة.
سارع سباعي إلى المأمور: أرى أنكم لم تهتموا بالبحث عن قتلة أبو سريع.
وكان المأمور يعرف كل شيء عن سباعي وصلة أبو سريع به، فقال له في جفاء صريح: هذا ليس من شأنك. - أنا عضو مجلس أمة، ومن واجبي المحافظة على الأمن. - الظاهر أن سيادتك لا تعرف واجبات وظيفتك وحقوقها. - نتعلم من سعادتك. - بل ويعلمك تلامذتي يا سيد سباعي؛ فالذي أعرفه عن مدى ثقافة سيادتك يسمح لتلامذتي أن يعلموك. - أنا عضو مجلس أمة. - هذا لا يدل على ثقافة. - وابني طالب في كلية الحقوق. - وهذا أيضا لا يدل على أن سيادتك مثقف. - إذن؟ - إذن فيجب أن تعلم أن وظيفة عضو مجلس الأمة داخل مجلس الأمة فقط وليست خارجه، وأن المحافظة على الأمن من اختصاص وزارة الداخلية فقط. وإذا رأيت علينا إهمالا فتستطيع أن تتقدم بسؤال أو استجواب داخل مجلس الأمة، ولكن الصلة الرسمية بيني وبينك مقطوعة تماما.
كارثة أخرى، لم يكن رجال الداخلية يكلمونه بهذا الجفاء، وهو أشد ما يكون حاجة إلى هؤلاء الرجال. وإن يكن سباعي الذي طغى وتجبر قد صار متعودا أن يقول فلا يناقشه أحد، فإن سباعي الذي قبل يد سليمان النواوي ما زال في داخله؛ فإن المجرم البعيد عن الحق هو مع جبروته أشد الناس هلعا إذا واجهه الحق أو واجهته السلطة. والرجل الذي ينافقه الجبناء خوفا من بطشه هو أكثر الناس خبرة بالنفاق إذا اقتضى الأمر منه نفاقا.
وأحس سباعي من كلام المأمور المستخف كل الاستخفاف بمنصبه في البرلمان أن الحكومة تريد أن تؤمم الإجرام كما أممت الشركات والأرض، إنها حكومة لا تريد أحدا أن يسرق أو يقتل أو يذل الناس غيرها هي. هي وحدها صاحبة الحق في السرقة والقتل والإذلال. وهي لا تريد أن تراعي زملاءها من الأفراد، وإلا فما لهذا المأمور يخاطبه بكل هذه الاستهانة!
وهكذا لم يكن عجيبا أن يتصاغر سباعي فإذا هو قطيطة مذعورة. وما أسرع ما قال: ومن قال يا سعادة البك إنني قصدت إليك بصفة رسمية؟ ومن قال يا سعادة البك إنني لا أحب أن أتعلم منك ما لا أعلمه؟! أنت راجل سمعتك مثل المسك وحياة النبي، والمديرية كلها تحبك، وتعمل لك ألف حساب. - يا سيدي كتر خيرك، ما دام الأمر كذلك فأنا أقول لك ما تشاء عن مقتل أبو سريع. أعداء أبو سريع كثيرون، وهو كما تعلم جيدا مجرم محترف.
وضغط المأمور بقوة وهو يقول كلمة «جيدا»، وأصابت الكلمة موضعها تماما من كيان سباعي، وأكمل المأمور حديثه: له عند الكثيرين ثأرات، وما أكثر ما قتل وما أكثر ما سلب ونهب! ولذلك فإننا في هذه الحالات نعلم علم اليقين أن البحث عن قاتله والعثور عليه أمر يوشك أن يكون مستحيلا. قد يكون القاتل أحد رجاله أنفسهم فالذي يقتل مرة يسهل عليه أن يقتل لأقل سبب. قد يكون أساء إلى سلام مثلا فقتله سلام، أو قد يكون سلام طامعا أن يحل محله في رئاسة العصابة كما حصل.
وقال المأمور الجملة الأخيرة في تؤدة وفي تفصيل واضح فيه القصد الذي يهدف إليه. وأدرك سباعي الإشارة، أولاد العفريتة هؤلاء لا تخفى عليهم خافية!
وأكمل المأمور كلامه: ولهذا فقد قمنا بكل التحريات الممكنة، ولم نصل لنتيجة؛ لأن الذين نسألهم واحد من ثلاثة؛ إما لا يعرف شيئا وهذا طبعا لن نأخذ منه حقا ولا باطلا. وإما يعرف وفرحان، وهذا أيضا سيبالغ في إخفاء ما يعرفه، ولا أمل لنا فيه. وإما يعرف وخائف من القاتل أن يقتله، وهذا لا حيلة لنا معه، فإذا كنت سيادتك تعرف شيئا وتريد أن تمدنا به أكون شاكرا. - شيئا! مثل ماذا يا حضرة المأمور؟ - مثل أبو سريع قتل من؟ اغتصب مال من؟ حرق غيط من؟ هذه المعلومات، ستنفعنا كثيرا.
صفحه نامشخص