وفي هذه الآية معنى التنبه له وهو أنه تعالى لما قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ [البقرة: ٣٠] اعترضت الملائكة بعلم قد كان تقدم عندها فقالت ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾ الآية [البقرة: ٣٠] وكان يجب أن لا تعترض على الله تعالى في فعله، ومع ذلك قد فضلوا أنفسهم على من كان يجعله بقولهم: ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾ [البقرة: ٣٠] فرد الله تعالى عليهم بأنه يعلم ما لا يعلمون، ثم زادهم آدم وعلمه ما لا يعلمون. وقال الحسن، وقتادة: روي أن الملائكة قالت حين خلق الله آدم: ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقًا أعلم منا ولا أكرم عليه منا.
فأراد الله تعالى أن يريهم من علم آدم وكرامته خلاف ما ظنوا. ثم إنه تعالى أمرهم بالسجود لآدم كرامة له، ولهذه المعاني كلها اعتذارات اختلف الناس في تركها اختصارًا.
وهنا مسألة اختلف الناس فيها، هل الصالحون من الناس والأنبياء أفضل من الملائكة؟ أم الملائكة أفضل من كل خلق؟ والذي تدل عليه هذه الآية أن الملائكة أفضل، ألا ترى إخبار الله تعالى إياهم بما أراد أن يخلق وإدلالهم في القول وإخبارهم بالتسبيح والتقديس، وما رد تعالى عليهم شيئًا من ذلك، ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿قال لا أقول لكم عدني خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك﴾ [الأنعام: ٥٠].
(٣٤) - قوله تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ الآية [البقرة: ٣٤]
في هذه ما يدل على أن مجرد الأمر لا يحمل على الإباحة لأنه تعالى وصف إبليس بأنه أبى من السجود الذي أمر به، ولم ير له عذرًا باحتمال الإباحة، ولو لم يكن نفس الأمر يقتضي الامتثال لكان له عذر. وفيه أيضًا
1 / 54