فألمس راحتها بلطف، وأجيب: أفكر في القادم الجديد، وما نعده له. •••
وأنا أهم بالجلوس أمام طاولة عم أحمد برجل ذات يوم، قرأت في وجهه عبوسا ينذر بالسوء: خير يا عم أحمد؟ - يبدو أنك لم تعلم بعد! - إني قادم لتوي؛ ماذا هناك؟
فقال بحزن بالغ: أمس، عند الفجر، كبست الشرطة البيت ...! - أبي؟
أحنى رأسه. - وماذا حدث؟ - ما يحدث في هذه الأحوال، أفرج عن اللاعبين، وألقي القبض على والديك.
انهرت تماما، وغصت في هم خانق. نسيت عواطفي القديمة، نسيت غضبي الثابت، وعز علي جدا ذلك المصير المؤسف لأمي وأبي، عز علي لدرجة البكاء. وسرعان ما استدعاني سرحان الهلالي، وقال لي: سأوكل عنهما محاميا ممتازا ... لقد صودرت النقود ... عثر على كمية غير صغيرة من المخدرات ... يوجد أمل.
قلت بصوت ذليل: أريد أن أقابلهما فورا. - سيحصل دون شك، ولكن لا مفر من أداء واجبك الليلة ... هذه هي طبيعة المسرح ... الموت نفسه ... أعني موت أي شخص عزيز لا يمنع الممثل من أداء دوره، ولو كان هزليا.
غادرت حجرته مغلوبا على أمري، وتذكرت أحلامي المرعبة، فتضاعف ألمي. •••
قبيل المحاكمة، ولد طاهر، ولد في جو كئيب مكلل بالحزن والعار حتى تحية كانت تداري فرحتها أمامي، ودخل جداه السجن وهو في شهره الأول، وكان عليلا يثير القلق، ولكني هربت إلى العمل المتواصل، أغرق فيه همي وشعوري بالذنب. وقدر لي أن يعترض سبيلي ما ينسيني أحزاني الراهنة دفعة واحدة؛ إذ توعكت صحة تحية، وشخصنا المرض باجتهادنا الشخصي باعتباره إنفلونزا، وكان طاهر في شهره السادس، ولما مر أسبوع دون تحسن، أحضرت طبيب الحي، وقد قال لي ونحن على انفراد: يلزمنا تحليل؛ فإني أشك في تيفود.
وعلى سبيل الاحتياط، وصف لنا الدواء، وسألني: أليس الأفضل أن تنقل إلى مستشفى الحميات؟
فرفضت الفكرة عاقدا العزم على السهر عليها بنفسي. اضطررت لذلك الانقطاع عن مكتب فيصل، وتعويضا عما فقدت، ولمواجهة المصروفات الجديدة، بعت الفريجدير. جعلت من نفسي ممرضا لتحية، ومرضعا لطاهر باللبن المحفوظ، تفرغت للخدمة بكل إخلاص. عزلت طاهر في الحجرة الأخرى. مضت صحتها تتحسن بخلاف الطفل، بذلت جهدي مدفوعا بالحب والامتنان نحو المرأة التي لم ألق منها إلا ما هو عذب وخير. وفي نهاية ثلاثة أسابيع، وجدت تحية القوة، فغادرت الفراش لتجلس على مقعد مريح في مجرى الشمس. وكانت قد فقدت رواءها وحيويتها، ولكنها دأبت على السؤال عن الطفل. وجدت نسمة من راحة، رغم تعاسة طاهر؛ لا يلقى أي عناية طيلة مدة عملي في المسرح، ما بين الثامنة مساء حتى الثانية صباحا. أملت أن تنهض تحية لحمل العبء عني، ولكن حالتها ساءت فجأة، حتى استدعيت الطبيب؛ وقال الرجل: ما كان يجب أن تغادر الفراش ... إنها نكسة ... تحدث كثيرا بلا عواقب سيئة.
صفحه نامشخص