empiric ، وهو يعتمد على تجارب قليلة لا تخضع لمنهج منظم، ويحاول أن يبنى منها فلسفة كاملة، ومن هؤلاء الكيميائيون القدامى الذين يتعجلون الوصول إلى نتائج قبل أن يبنوا أبحاثهم على أساس متين، والنوع الثالث هو أصحاب الخرافات الذين يمزجون الفلسفة باللاهوت، ولا يفرقون بين التفكير المنظم وبين الأسطورة الشعرية، ومن هؤلاء فيثاغورس، وكذلك أفلاطون الذي ينتمي إلى هذه الفئة. ولكن «في صورة أدق وأخطر».
19
ولسنا نود أن نمضي مع بيكن في تفصيلات نقده للنظريات الفلسفية، وللموضوعات التي يبحثها الفلاسفة، وأساليبهم في البرهنة على أفكارهم؛ إذ إن هذا النقد المتعمق لتفكير القدماء يحتاج وحده إلى بحث مستقل، ولا يتسع له المجال ها هنا، وعلى أية حال فحسبنا أن نقول: إن بيكن، في شرحه لهذا النوع الرابع من الأوهام، قد حدد موقفه من الفلسفات وطرق التفكير القديمة، وكشف بوضوح عن رغبته في شق طريق جديد كل الجدة، لا في الفلسفة النظرية وحدها، بل في التفكير العلمي بوجه عام.
وبعد أن يعرض بيكن نظريته في الأوهام الأربعة، يدعو الذهن إلى تطهير ذاته منها، والبدء في البحث على أسس سليمة، فيقول: «لقد أتممنا الآن بحث كل نوع من الأوهام وخصائصها، وهي كلها أوهام ينبغي التخلي عنها بعزيمة صادقة، ويجب تحرير الذهن وتطهيره منها بحيث يغدو دخول مملكة الإنسان - التي تقوم على العلوم - مماثلا لدخول مملكة السماء التي لا تفتح أبوابها إلا للأطفال»،
20
وهكذا ينبغي أن يقبل الذهن على تحصيل العلوم، وهو أشبه بطفل بريء خلا ذهنه من الأفكار السابقة؛ إذ إن التراث - في ذلك الحين - كان في معظم الأحيان تراثا فاسدا يضر أكثر مما ينفع. (5) نقد المنطق القديم
كانت الأداة الرئيسية التي استعان بها الفلاسفة القدماء في الوصول إلى نظرياتهم الباطلة هي المنطق، وعلى ذلك فإن نقد المنطق القديم وكشف عيوبه هو العنصر الأساسي في حملة التطهير التي ينبغي القيام بها من أجل إرساء التفكير الفلسفي والعلمي على أسس سلمية.
ولقد كان المنطق القديم قياسا في أساسه، والقياس يتألف من قضايا، والقضايا من ألفاظ، والألفاظ تعبر عن أفكار أو معان في الذهن
notions ، فإذا ما كانت المعاني أو الأفكار الأصلية مختلفة في الذهن - كما اتضح عند الكلام عن أوهام المسرح - فعندئذ يغدو البناء كله قائما على غير أساس؛ ففي عملية التجريد الأصلية - التي تتكون بواسطتها ألفاظ تغدو حدودا في قضايا القياس - خطورة تجعلنا نشك كثيرا في عملية القياس من أساسها.
وفضلا عن ذلك؛ فالقياس بأسره - حتى لو كان صحيحا من الوجهة الصورية الخالصة - عملية عقيمة، فهو يعين على تثبيت وتوطيد دعائم أفكار موجودة من قبل، قد تكون باطلة كل البطلان، ولكنه لا يعين أبدا على البحث عن الحقيقة،
صفحه نامشخص