idola tribus (والأفضل تسميتها بأوهام النوع؛ لأنها ترتبط بالنوع الإنساني بوجه عام، على حين أن كلمة «الجنس» متعددة المعاني وتؤدي إلى الخلط) بالأخطاء الكامنة في الطبيعة البشرية بوجه عام؛ فالحواس البشرية - التي تتخذ مقياسا للأشياء جميعا - معرضة للخطأ وعقل الإنسان أشبه بمرآة غير مصقولة تضفي خصائصها الخاصة على الأشياء وتشوه صورتها. وهكذا يضفي العقل على الأشياء ترتيبا ونظاما يلائم طبيعة الخاصة ولكنه غير موجود في الأشياء ذاتها، ومن هذا القبيل القول: إن جميع الأجرام السماوية تدور في مسارات تتخذ شكل الدائرة الكاملة. وهكذا فإن العقل البشري عندما يضع نظرية ما يميل إلى إدخال كل الظواهر قسرا في هذه النظرية، وإلى تجاهل أو إغفال كل الشواهد المتعارضة معها مهما كان من قوتها،
14
ومن هذا الميل تنشأ الخرافات بشتى أنواعها، كما ينشأ ميل الفلاسفة إلى تفسير كل الظواهر من خلال مجموعة قليلة من المبادئ الثابتة مع إغفال كل التفاصيل الهامة التي ينطوي عليها الكون، ولدى العقل البشري ميل آخر إلى ممارسة نشاطه دون توقف، فيظل يبحث عن العلل، ولا يستطيع أن يتصور شيئا بغير علة؛ وبذلك يقع في أخطاء مثل تصور «العلة الغائية»، التي هي أكثر ارتباطا بطبيعة الإنسان منها بطبيعة الكون «والتي هي من أكبر مصادر الفساد في الفلسفة.»
15 (2)
ولقد استمد بيكن اسم «أوهام الكهف»
idola specus ، وهو يعني بها الأوهام الفردية التي يقع فيها كل شخص نتيجة لتكوينه الخاص شأنه شأن سجناء الكهف عند أفلاطون. وربما كان لنا أن نلاحظ - في صدد هذه التسمية - أن أسطورة الكهف عند أفلاطون تتعلق بالنوع البشري كله، أو هي ترمز إلى حالة الإنسان وموقفه بوجه عام؛ فالكهف عند أفلاطون هو الجهل أو النقص الأصيل الكامن في الطبيعة البشرية؛ ومن هنا فإن الاسم أحرى بأن ينطلق، في الواقع، على النوع الأول من الأوهام - أعني أوهام النوع أو الجنس - لا على الأوهام الخاصة بكل فرد على حدة.
ومن طبيعة هذه الفئة من الأوهام أنها شديدة التنوع؛ لأنها تختلف في كل فرد عنها في الآخر، فمن الناس من يميل بطبيعته إلى إدراك الفروق بين الأشياء، وهؤلاء هم المدققون الميالون إلى تأمل التفاصيل، ومنهم من يميل إلى إدراك أوجه الشبه بين الأشياء، وهؤلاء هم أصحاب المزاج التأملي، ولكل من الطرفين أخطاؤه ومواقفه المتطرفة،
16
كما أن بعض الناس ميالون إلى القديم، وبعضهم الآخر ميال إلى التجديد، مع أن الحقيقة لا زمان لها، ولا يلزم بالضرورة أن تكون في القديم وحده أو الجديد وحده. وهكذا الحال في سائر أنواع التحزب والتعصب الفردي، التي ينبغي التخلص منها لضمان نزاهة البحث والتفكير. (3)
ويرى بيكن أن أوهام السوق
صفحه نامشخص