وفي عصر التجارة، ومع مراكمة الناس لرأس المال، أصبحت الملكية ذات أهمية أكبر، لكن هذا العصر عاش فيه تجار أتيح لهم تحقيق مكاسب أكثر عبر تشويه الأسواق لمصلحتهم، وكان لديهم من المكر ما يكفي لاستخدام العملية السياسية لخدمة هذه الغاية. «إن التنافس والتبادل الحر يتعرضان إلى الخطر من جانب الاحتكارات والتفضيلات الضريبية والضوابط، وغيرها من الامتيازات التي يمكن للمنتجين أن يحصلوا عليها من السلطات الحكومية.»
ولهذه الأسباب جميعها، آمن سميث بأن «الحكومة يجب أن تكون محدودة»؛ فمهمتها الأساسية تتمثل في القيام بشئون الدفاع، والحفاظ على النظام، وإنشاء البنى التحتية، وتعزيز التعليم. ويجب عليها أن تحافظ على انفتاح السوق وحريته، لا أن تعمل على تشويهه بأي شكل من الأشكال. (2) الإنتاج والتبادل
في المجلد الأول من مجلدات الكتاب الخمسة، نجد شرحا لآليات الإنتاج والتبادل، وما تساهم به في الدخل الوطني. (2-1) منافع التخصص
استخدم سميث مثال مصنع الدبابيس ليبين أن «تقسيم العمل» - أي التخصص في العمل - يؤدي إلى زيادات هائلة في المخرجات. وتبدو صناعة الدبابيس «صناعة تافهة»، لكنها في الحقيقة صناعة شديدة التعقيد؛ إذ يجب سحب السلك، وجعله مستقيما، وقطعه، وتدبيبه، ويجب أن تكون قمة الدبوس مسطحة؛ ولذا تصنع بشكل مستقل ثم تثبت به لاحقا، ويلي ذلك تبييض الدبابيس ولفها في أوراق. ففي الحقيقة، هناك قرابة 18 عملية مختلفة تدخل في صناعة الدبابيس.
ويرى سميث أن العامل الواحد إذا أنجز كل هذه العمليات بمفرده، فربما لن يتمكن من صناعة أكثر من عشرين دبوسا في اليوم (وإذا كان عمله يتضمن أيضا التنقيب عن الحديد وصهره، فربما لن يتمكن من إنتاج حتى دبوس واحد كل عام). أما في المصنع، فيقسم العمل بين أشخاص مختلفين، يقتصر عمل كل منهم على واحدة أو اثنتين من العمليات المنفصلة، وهكذا فإن فريقا من عشرة أشخاص أقوياء يمكنه صناعة 48000 دبوس في اليوم، أي ما يعادل 4800 دبوس لكل عامل، وهذا يساوي 240 ضعف ما ينجزه العامل الذي يصنع الدبابيس بمفرده يوميا.
التخصص أمر شديد الفعالية، حتى إنه لا يقتصر فقط على الشركات، وإنما تجده بين الصناعات أيضا، بل حتى بين الدول. إن المزارع الذي يتخصص في زراعة محصول أو في تربية المواشي، ستحظى أرضه برعاية أفضل وستكون أكثر إنتاجا مما لو كان يتوجب عليه قضاء وقته في صناعة احتياجات المنزل أيضا. كما أن المصنعين يسعدهم جدا توفير السلع المنزلية وترك مسئولية إنتاج غذائهم على عاتق هذا المزارع، وعلى النحو نفسه، يأتي تخصص الدول في صورة تصدير السلع التي تنتجها على أفضل نحو ممكن، واستيراد السلع التي ينتجها الآخرون على نحو أفضل.
يرى سميث أن ازدياد الكفاءة لا ينتج عن مجرد المهارة المكتسبة من أداء المهمة نفسها لمرات كثيرة؛ فالتخصص ومقدار الوقت الأقل المستغرق في الانتقال من عملية إلى أخرى يتيحان للناس استخدام آلات متخصصة موفرة في العمل من أجل زيادة مخرجات العمل؛ ومن ثم «تتمثل تأثيرات تقسيم العمل فيما يبدو في تحسن القوى الإنتاجية للعمل على نحو أفضل، واتساع نطاق المهارة والبراعة والتقييم الذي يوجه به هذا التحسن أو ينفذ على أساسه».
2
يسخر تقسيم العمل تعاون الآلاف المؤلفة من البشر حتى في إنتاج أساسيات الحياة اليومية. يقول سميث:
لنأخذ المعطف الصوفي الذي يرتديه العامل العادي كمثال، فمهما كان هذا المعطف يبدو خشنا ورديئا، فإنه يمثل حصيلة العمل المشترك لعدد هائل من العمال: الراعي، وفارز الصوف، وممشطه ومنظفه، والصباغ، والغزال، والنساج، والقصار، والخياط، وغيرهم الكثيرين ممن تتضافر اختصاصاتهم بهدف اكتمال إنتاج حتى هذه السلعة المتواضعة.
صفحه نامشخص