قال هوفمان: أنا ومارك كلانا تركنا أبوينا وأمينا على قيد الحياة، وأنا تركت مع أبوي أختين تصغراني، ومارك ترك أختا تصغره وأخا طفلا.
وقال مارك: انتظر أخبارنا كلها في أول خطاب نكتبه إليك. - إني منتظر.
وما هي إلا أيام قلائل حتى تمكن مارك وهوفمان من مغادرة مصر. •••
كان عبد الشكور يعرف تماما ما هو صانعه بالبنك.
لقد حرص أول ما حرص على أن يوثق صلته بصبحي حتى يجعله يحس أنه لا يستطيع أن يستغني عنه.
وكانت أولى خطواته في هذا السبيل أن يجعل من نفسه شبه خادم لسكرتيره نبيل معوض.
وقد كان شابا في ربق العمر حاصلا على ليسانس الحقوق، وكان من قرية صبحي بك نفسها، بل إن أباه كان يعمل ناظر زراعة لمائة الفدان التي يملكها صبحي عن أبيه، وقد امتنعت مساحة الأرض على قانون الإصلاح الزراعي فلم تنتزع الحكومة شيئا من أرضه؛ مما جعل الثورة لا تعتبره من أعدائها. وقد أتاح له ذلك أن يرقى في البنك إلى منصبه هذا الذي يشغله؛ وخاصة أنه لم يكن من عائلة ذات مكانة ولا خطر؛ مما يسر له أن ينضم إلى منظمات الثورة، ويظهر غلواء في تأييدها والهتاف لقائدها الأول ثم لقائدها الثاني؛ مما جعله من أهل الولاء والكفاءة في وقت معا؛ الأمر الذي لم يتيسر إلا لقلة نادرة في هذه الأيام. أما نبيل فلم يكن أبوه يملك إلا خمسة أفدنة، استطاع بها وبعون من صبحي وأبيه أن يكمل تعليم نبيل في كلية الحقوق، عاجزا بضآلتها في الوقت نفسه أن يعلم ابنيه الآخرين مرسي وعيسى، اللذين لم يكن أمامهما إلا أن يعملا فلاحين في أرض صبحي بك، وقد تمكن كلاهما من أن يحصل على خمسة الأفدنة مما وزعتها الثورة من الأرض التي استولت عليها. وقد نالا ما نالا من أرض الغني الكبير في قريتهم متولي باشا خطاب، الذي نال الباشاوية حين تبرع للمشاريع الخيرية بخمسة آلاف جنيه في عهد الباشاوات.
عرف عبد الشكور كل شيء عن نبيل معوض من ساعي مكتب المدير حسنين عبد المولى.
وقد عرف منه أيضا في دعوة الغداء التي دعاه إليها من أول مرتب يحصل عليه من البنك أن صبحي بك متزوج من ابنة عمه صافيناز هانم عبد الموجود، ذات الأم التركية التي لا يعرف حسنين اسمها الذي لم يسع إلى معرفته؛ فالأم قد تركت الحياة قبل أن يتزوج صبحي ابن الفلاحين من ابنتها.
وانتظر عبد الشكور أن يصل إلى الخوافي من أخبار صبحي حين يوثق صلته بنبيل؛ الأمر الذي أعد له كل الإعداد؛ وخاصة حين أبلغه حسنين أن نبيل يحب الفتيات الجميلات، أو غير الجميلات إن لم يتيسر له غيرهن.
صفحه نامشخص