ومرة دبرة جائعة، في عنف وسير وكد عمل، وهي دابة من الدواب؛ فكذلك يصير العبد إذا راض نفسه بترك الشهوات، وقطع الأسباب، وانقطع عن اللذات، ومجاهدة الهوى، وامتناعه عما يريد، حتى تذل وتنقمع، فحينئذ ينقاد القلب والعقل، وتستقيم في سيرها على حد ما أمر به، ولا تهاب أحدًا في أموره، ولا تخاف فيه لومه لائم، إذا نابتة النوائب خاطر بنفسه في ذات الله، وأذنه مصغية إلى مولاه، وقلبه شاخص إلى مشيئاته وإرادته، وإلى ما يبرز له من حجب الغيب، فيقبله بالطوع والهشاشة، والانطلاق إلى ما يستعمله به، وكيف ينقله من حال إلى حال، فإن رأى نصرته عدّ ذلك منه فضلًا ورحمة، وإن رأى خذلانه فزع إليه، والقى نفسه بين يديه، صارخًا إليه، مستغيثًا به، فهو ولي من أوليائه، رفع باله عن نفسه، فرمى بها إلى ربها، فقال: أنت ربي، وأنت خلقتني لما تشاء، ولا أشاء، ولا علم لي بشأني، وبما فعلت بي، ووجدتك أرأف وأرحم بي مني بنفسي، فرفعت
1 / 41