============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف والتعلق بالذلة والافتقار، لتكون أحواهم في حركاتهم بموافقة إشاراتهم.
ثم لهم في السياحة معان من رياضة النفوس وتحقيق الغربة وإخلاص التوكل وتجربة النفوس ورؤية العبرات وفراغ القلب وترك تعبد الأقارب والمعارف، يجتمع كل ذلك في سياحة الصوفية ، وللمريدين السائرين إلى الله عز وجل أوقات يستوحشون فيها من الناس والعمران ويستأنسون بالمفاوز والفلوات، واستروحوا الجبال والمومات، وكان ذلك فعل النبي في بده آمره، كلما ضباق قلبه خرج إلى الصعدات بمكة، فصلى في جبالها وتفرج ثم رجع إلى مكة.
وللصوفية أيضا في السياحة طلب العلم ولقيا المشايخ وزيارة العارفين والاتعاظ بمواعظهم وطلب الفوائد منهم وسؤالهم عن حقائق ما اشاروا إليه في تحقيق أسياب المعارف، وقد قال النبي : سافروا تغنموا ! فأي غنيمة أعظم من زيادة الإيقان وتحقيق حقائق الايمان؟ فالصوفية سياحون راحلون من بلد إلى بلد ومن بر إلى بحر ومن سهل إلى جبل، فلا يكون لهم قرار، ولهم في ذلك إشارات خفيات فإنهم لا قرار لهم إلى أن يلحقوا = بهك من غررهي وأسرهم في دار الدنيا، فهناك قرارهم ، قال الله عز وجل : إلى ربك يومئذ المستقر، فمستقر الصوفية في: مقعد صدق عند مليك مقتدر، وكلما ذكروا المستقر ماجوا واضطربوا وجنوا فلا يجدون إلى ذلك في الدنيا سبيلا، فيهيمون على وجوههم من بلد إلى بلد، ومن قفر إلى قفر ومن جبل إلى جبل : وحكي عن بعض أصحابنا أنه اعتاد لنفسه أن يمشي في كل سنة الف فرسخ ، وكلما فاته شيء من هذه في السنة استكمله في (94) السنة الثانية.
وحكي عن ذي النون المصري أنه كان في بده أمره يمشي في الشرق والغرب في طلب الزهاد والعارفين، فيآخذ من مواعظهم ويتعظ بها.
ثم الدخول في البوادي على حكم التوكل بالتجريد من شأن الصوفية، وقد حكي عن 21 الدقي أنه قال خمسين سنة: كلما طاب الوقت في السنة لبست فرؤا ودخلت البادية، 4) يستوحشون: يستوحشوا ص5) يتأنون: بستانوا ص.
1) المعجم المفهرس 468/2.
14) القرآن الكريم 12/75: 14) 15) القرآن الكريم 4ه/ه5.
19)- 40) راجع تهذيب ابن عساكر 274/5.
..
صفحه ۵۹