بدل من {الذين أنعمت عليهم}. والغضب ضد الرضا، وهو في أصل اللغة حركة في النفس تنزع بها إلى طلب الانتقام، وإذا أسند إلى الله، فسروه بمعنى: إرادة الانتقام، أو بمعنى: الانتقام نفسه. والموافق لمذهب السلف أن يقال: هو صفة له تعالى لائقة بجلاله، لا نعلم حقيقتها، وإنما نعرف أثرها، وهو الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم. وأتى في وصف الإنعام بالفعل المسند إلى الله تعالى، فقال: {أنعمت عليهم}، وفي وصف الغضب باسم المفعول، فقال: {غير المغضوب عليهم}، وفي ذلك تعليم لأدب جميل، هو أن الإنسان يجمل به أن يسند أفعال الإحسان إلى الله، ويتحامى أن يسند إليه أفعال العقاب والابتلاء، وإن كان كل من الإحسان والعقاب # صادرا منه. ومن شواهد هذا قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} [الجن: 10].
{ولا الضالين}:
الضالين: جمع ضال، وهو من لا يهتدي طريقا يصل منه إلى المطلوب، فيمشي في غير طريقه، ويتخبط في عماية.
وحرف (لا) في قوله: {ولا الضالين} جاء لتأكيد معنى النفي المستفاد من كلمة: غير. والمعنى: اهدنا صراط المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين.
وورد في حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى (¬1).
ومن لم يروا الحديث بالغا في الصحة الدرجة التي توجب الوقوف عنده، فسروا المغضوب عليهم بمن فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه، وقالوا في تفسير الضالين: هم الذين فقدوا العلم، فهم هائمون في الضلالات، لا يهتدون إلى الحق. ومن هؤلاء من ذهب في تفسيره إلى أن المغضوب عليهم كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة، وهم الفساق، وأن الضالين كل من أخطأ في اعتقاد، وهم فاسدو العقيدة.
وقدم المغضوب عليهم على الضالين؛ لأن معنى المغضوب عليهم كالضد لمعنى المنعم عليهم، فكان جديرا بأن يوضع في مقابلته قبل: الضالين.
صفحه ۱۲