وكان ﷺ تنام عيناه ولا ينام قلبه، والخلوة يكون معها فراغ القلب، وهي معينة على الفكر، وقاطعة لدواعي الشغل، والبشر لا ينتقل عن طباعه، ولا يترك ما ألفه من عاداته إلا بالرياضة البليغة والمعالجة الشديدة، فلطف الله تعالى لنبيه ﷺ في بدء أمره، فحبب إليه الخلوة، وقطعه عن مخالطة البشر ليتناس المألوف من عاداتهم ويستمر على هجران ما لا يحمد من أخلاقهم، وألزمه شعار التقوى، وأقامه مقام التعبد بين يديه ليخشع قلبه وتلين عريكته لورود الوحي، فيجد فيه مَرادا سهلا، ولا يصادفه حَزنا وعرا، وعلى هذا المعنى كان، والله أعلم، مطالبة الملك إياه بالقراءة، ومعالجته إياه بالغط وشدة الضغط، فإن الآدمي إذا بلغ منه هذا المبلغ في أمر سمح به إن كان في وسعه، أو تكلف منه بعض ما حمل منه إن لم يكن ذلك من طبعه، فجُعلت هذه الأسباب مقدمات لما أرصد له من الشأن ليرتاض بها ويستعد لما ندب له منه، ثم جاءه التوفيق والتيسير، وأمد بالقوة الإلهية، وبُزت منه النقائص البشرية، وجمعت له الفضائل النبوية ﷺ.
1 / 127