اعلام فکر اسلامی
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
ژانرها
واجتمع به أيضا السيد جمال الدين الأفغاني في زيارته الأولى للقسطنطينية، وكتب يصف هذه المقابلة، قال: فلما قابلني قال لي: أنت جمال في الدين أم جمال للدين؟ فقلت: جمال للدين؛ لأن الإضافة بمعنى «في» لا تخلو من ركاكة هنا، فضحك.
وكان ربعة بدينا، أبيض اللحية، يلبس جبة وعليها برنس على طريقة المغاربة، ولم يلبس الفرجية التي كان يلبسها علماء الأزهر، وعمر طويلا.
وحدث عبد الله فكري باشا قال: ذهبت مع الخديو إسماعيل مرة إلى القسطنطينية مدة السلطان عبد العزيز، وجاء المترجم للسلام على الخديو، وكان يتأهب لمقابلة السلطان، فلم يمكث معه إلا قليلا معتذرا بأنه لا يستطيع التخلف عن مقابلة السلطان في الموعد المحدد، وسأله البقاء حتى يعود، وأوصى بإكرامه، ولكن المترجم لم يقبل عذره وانصرف غاضبا ولم يعد.
ولما ذهب إسماعيل بعد توليته إلى الآستانة لم يزره الشيخ، فصار يسأل عنه إلى أن اهتدى إلى مقره، وأرسل في طلبه، ثم أمر أحمد طلعت «باشا» كاتبه أن يعطيه مائة دينار عند خروجه من مقابلته، ولكن الشيخ أبى أخذها وقال: أنا والحمد لله في غنى عن الصلة ولم أزر الخديو التماسا لشيء.
وكان مولعا بجمع الكتب، مغاليا في اقتناء النفيس منها، فلما مات بيعت بالقسطنطينية وتفرقت في البلاد، ولم يعقب غير بنت واحدة حضرت لمصر بعد موته تتقاضى ثمن داره التي أزيلت وأدخل بعضها في المسجد الحسيني عند عمارته، وتزوجت بعدما شاخت؛ لأن أباها لم يكن يرى لها كفؤا في زعمه رحمهما الله.
أحمد الحلواني
1228-1307ه
ولد العلامة الأستاذ الشيخ أحمد الحلواني في دمشق سنة 1228ه، وتربى تربية دينية برعاية والده التقي الصالح المرحوم السيد محمد علي الرفاعي الحلواني، وكان أول أستاذ له المرحوم الشيخ راضي المصري الذي أتم عليه حفظ القرآن الكريم، ثم درس العلوم العقلية والنقلية على أساتذة عصره، مثل: خاتمة المحدثين المرحوم الشيخ عبد الرحمن الكزبري، وشافعي زمانه المرحوم الشيخ عبد الرحمن الطيبي، وأبي حنيفة وقته المرحوم الشيخ سعيد الحلبي، ومفسر الديار الشامية المرحوم الشيخ حامد العطار، وما زال يتلقى عنهم العلوم والفنون حتى أذنوا له في التدريس في غرة شوال سنة 1253ه، وبعد ذلك رحل حاجا إلى بيت الله الحرام مع الوفد الشامي، ولما وصل إلى مكة المكرمة اجتمع فيها بخاتمة المحققين شيخ قراء مصر العلامة الشيخ أحمد المرزوقي المجاور لبيت الله الحرام، فاستبقاه فيها بعد أداء الحج لما رأى فيه من المقدرة والتضلع في العلوم وعدم التعلق بأعمال الدنيا، وخلوه من الأهل والولد، وأمره بحفظ «الشاطبية» فحفظها، وقرأ عليه القرآن كله بالتجويد على رواية حفص، مع مطالعة شروح الشاطبية، وبعد ذلك شرع في دراسة القراءات السبع، ثم قرأ القرآن كله بها على الشيخ المرزوقي، فأقام له عقبة ذلك حفلة تكريم تجاه باب الكعبة المشرفة حضرها الأشراف والعلماء والقراء وغيرهم، وبعد ذلك حفظ عليه «الدرة» في القراءات الثلاث المتممة للعشر، كما قرأ عليه شرحها، والقراءات العشر على طريقي الشاطبية والدرة، فلما أتمها أقام له حفلة تكريم أخرى، ثم أمره بحفظ الطيبة، وقراءة شرحها ومطالعة التحارير المتعلقة بها، فلما أتم ذلك أقرأه القرآن كله كاملا بطريقة «الطيبة»، ثم جمع أفاضل مكة المكرمة وأجازه أمامهم بأن يقرأ ويقرئ في أي مكان حل بما لقنه إياه مما أخذه عن شيخ الإقراء وملاذ القراء في مصر المرحوم السيد أحمد المحملجي الهندي، فأسكنه داره متكفلا له بما يلزم له من كتب وملبس ومشرب ومأكل وغير ذلك.
ولما انتهت دراسته سنة 1258ه استأذن أستاذه في الرجوع إلى دمشق، وكانت خالية من علوم القراءات فنشرها فيه، وحفظ عليه القرآن العظيم عدد كثير، وممن تلقى عليه القراءات السبع المرحوم الشيخ عبد الله الحموي، والمرحوم الشيخ صالح الكردي، وقد كرمهما عقب ذلك أمام جمع من أفاضل دمشق، وكان ذلك مستهل سنة 1262ه.
وما زال مثابرا على نشر فن القراءات وتجويد القرآن العظيم إلى غاية شهر شوال سنة 1263ه، وفيها رجع مع موكب الحج الشامي إلى مكة المكرمة، ولما بلغها نعي إليه شيخه المرحوم السيد أحمد المرزوقي، فجلس مكانه متصديا لنشر القراءات في البلاد الحجازية، وتخرج عليه عدد عظيم من أبنائها وأبناء البلاد الإسلامية المختلفة، وفي سنة 1278ه رجع إلى دمشق مع المحمل الشامي، وجمع عليه القراءات السبع والعشر كثيرون من أهل الشام وغيرهم، وفي مقدمة تلاميذه في القراءات العشر من الدمشقيين: الشيخ أحمد دهمان، والشيخ محمد القطب، ونجله الشيخ محمد سليم الحلواني، والشيخ محمد المجذوب، والشيخ محمد سبانو، والشيخ عبد الغني البيطار، ومن أهل حماة: الشيخ محمود الكيزاوي وتلاميذه، ومن تلاميذه في القراءات السبع: الشيخ نجيب كيوان، والشيخ راغب الحموي، والشيخ صالح الديراني.
صفحه نامشخص