وقد ينبغي أن تجري العادة في التدبير ما داموا أصحاء على الأمر الأنفع وذلك أن التدبير إذا كان قد يظهر منه في الأصحاء اختلاف عظيم في أصناف الانتقال وغير ذلك فكم بالحري يجب أن يكون اختلافه أيضا في الأمراض أعظم ومن الأمراض خاصة فيما كان منها حادا جدا ومعرفة ذلك سهلة أعني أن التدبير الرديء بالمطعم والمشرب الشبيه بعضه ببعض أوفق بالجملة في جميع الأوقات في حفظ الصحة من الانتقال بغتة إلى تدبير آخر أجود منه من ذلك أن انتقال من جرت عادته أن يأكل في اليوم مرتين أو من جرت عادته أن يأكل في اليوم مرة واحدة بغتة إلى ضد ما كان عليه يحدث عليه ضررا وضعفا ومن لم تكن عادته أن يتغذى فتغذى أضعفه ذلك على المكان وأثقل بدنه وكسله وأرخاه فإن تعشى مع ذلك أيضا تجشأ جشأ حامضا ومنهم من يعرض له لين الطبيعة والسبب في ذلك ما أثقل معدته على خلاف ما جرت عليه الطبيعة وذلك أن العادة جرت عنده بأن تكون المعدة منه خالية ولا تتملأ من الطعام مرتين وتهضم الطعام أيضا مرتين.
قد ينتفع هؤلاء بأن يخفف عنهم ما نالهم عند انتقالهم في التدبير إلى الضد وذلك أنه ينبغي أن يناموا بقدر ليلة تامة بعد عشاءهم أما في الشتاء فمع توق من البرد وأما في الصيف فمع حذر من الحر فإن لم يمكنهم أن يناموا مشوا مشيا كثيرا رقيقا من غير أن يقفوا فإذا كان بعد ذلك إما ألا يتعشون وإما أن يتعشوا عشاء خفيفا لا يضرهم ويشربون أيضا شرابا قليلا غير ممزوج بالماء.
صفحه ۱۸