قال: سأذهب إليها في هذا المساء. - في أية ساعة؟ - بين التاسعة والعاشرة.
فاكتفى أنيتور بما سمعه، ونادى الخادم، فنقده ثمن الشراب، ثم انصرف وقد عرف كل ما أراد أن يعرفه.
الفصل الثالث والعشرون
سار أنيتور مسرعا، وهو يعد نفسه أسعد خلق الله بهذا البرهان الذي ناله دون أن يبذل في سبيله شيئا من الجهد، وجعل يناجي نفسه فيقول: إن فيلكس شديد الغيرة سريع الغضب، فإذا أخبرته شفاها بهذا البرهان لا أأمن بوادر حدته، وكذلك صديقه فإنه أشد نزقا منه، فخير لي أن أمتنع عن مقابلته، وأن أكتب له كتابا ينوب عن المقابلة.
وقد استقر رأيه على هذا الخاطر، فذهب إلى إحدى المقاهي، فطلب معدات الكتابة، وكتب إلى فيلكس الرسالة الآتية:
سيدي
ما تعودت أن أقول إلا ما أعتبره حقا، فأروي ما أرويه، وأنا على أتم الوثوق، والله يشهد أني ندمت الندم الشديد على ما زل به لساني اليوم، فقد نغصت عيشك، وجعلتك من أنكد البشر، حتى وددت لو محوت هذه الإساءة بدمي، ولكني خلقت محبا للحق ميالا إلى الصراحة، فساءني أن أراك - وأنت جاري - غائصا في بحار الأوهام، وأردت - على الرغم مني - أن أوقفك على الحقيقة.
إن المدموازيل باكيتا تحبك ولا جرم، فهي تدل بذلك على أنها من أهل الذوق والفطنة.
ولكن أموال الأمير الروسي لها سلطانها على العقول ثم على القلوب، فبها يمكنه أن ينيلها كل مشتهياتها، كأن يشتري لأصحابها أحسن الجياد، وأفخم المركبات، ويشيد لها أعظم القصور، وإن شاءت يشتري لها مجد من تحب.
إنه قول شديد يعز علي أن أقوله لك، ولكنك أحرجتني في هذا الصباح، وحسبتني أتجنى عليك، فأكرهتني على أن آتيك بالبرهان، فلم أجد بدا من أن أبرهن لك على صدق ما أقول، فاعلم الآن أنك أردت أن تقف على حقيقة الصلات الكائنة بين المدموازيل باكيتا والبرنس الروسي، فما عليك إلا أن تتبع إيضاحاتي الآتية:
صفحه نامشخص