قلنا: لا نسلم أنه فهم من التسوية ذلك على أنه مفهوم التسوية، بل يحتمل أنه فهم من التسوية أن يجعل القبر سواء، وأنه رآهم يجعلون على القبر التراب أو البطحاء أو الحصباء أو نحو ذلك مما إذا كثر انهال وصار القبر مسنما، فأمرهم بالتخفيف ليبقى القبر سواء غير مسنم، وهذا هو الظاهر المطابق لمعنى التسوية المعروف في اللغة، أو أنه أراد بالتسوية جعله سويا وهذا خلاف الظاهر هنا لأنه يكون احتجاجا بمجمل، ولو فهم ذلك فلا يدل على مرامهم، لأن جعل فضالة التخفيف تسوية بهذا المعنى يكون أمرا غير ما قد فهم، لأن الذي فهم على هذا التقدير هو جعله سويا أي مطابقا للمشروع. وأما جعل التخفيف عنه تسوية فهو زائد على معنى الحديث وهو يحتاج إلى دليل آخر يدل على أن جعل القبر سويا أي على الصفة المشروعة هو أن يخفف عنه التراب، ولا دليل على ذلك، ولا حجة في قوله. كيف وهو بعيد عن التوفيق لأنه من عمال معاوية؟ بل الراجح رد روايته لاقترانها بقوله في التخفيف واحتمال أن له فيه غرضا من أغراض النواصب إذا كان قد علم أن قبور أهل البيت (عليهم السلام) ترفع فهو متهم فيه، وخصوصا مع تفرده بالرواية بهذه الصفة، لأن حديث أبي الهياج خاص فلا يصلح شاهدا لحديث فضالة..
وأما النهي عن تجصيص القبر، فالقبر هو الحفرة وترابها، وهم لا يجصصون داخلها ولا ترابها في الغالب، وإن صدر من بعض العامة تجصيص ظهر القبر فهو بدون أمر العلماء، والغالب إنما هو تجصيص البناء وليس من القبر في الحقيقة، بل تجصيص القبر أن يجصص داخله قبل إرجاع التراب فيه، وقبل إنزال الميت فيه مثلا، أو يجصص وجه ترابه، فأما البناء الذي يبنى حوله لحفظ ترابه فليس من القبر في الحقيقة فتجصيصه ليس تجصيصا للقبر.
Página 16