وأما الحديث الخامس: وهو الأمر بتسويتها، فحديث أبي الهياج عن علي(عليه السلام) قد اجبنا فيه بما يكفي وبينا أن قوله: «أن لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته» يحتمل «سويته» جعلته سويا على الحد اللائق به، ويحتمل «سويته» جعلته مستويا، وهذا المعنى الثاني أظهر لأنه إن صح الحديث فالظاهر في القبور التي أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا (عليه السلام) لتسوية المشرف منها أنها قبور جاهلية لا حرمة لها، وعلى ذلك يكون الغرض هدمها لا تسويتها، لأنها بعد أن تهدم لا يطلب لها صفة مخصوصة تعتبر تسوية، فالتسوية غير مطلوبة من حيث هي تسوية، والمطلوب فيها هو الهدم، فكان على هذا يكون الأصل في التعبير أن يقال إلا هدمته بدل إلا سويته لأن الأصل في التعبير أن يذكر المقصود، فإذا كان المقصود الهدم فالأصل أن يذكر هو بلفظه لا بلفظ التسوية لأنه لا غرض في جعله سويا لأنه لا حرمة له، والتعبير عن الهدم بالتسوية لا يناسب عدم حرمة القبر إنما يناسب القبر المحترم.
فظهر أن الأولى والأرجح تفسير التسوية بجعله سواء لإزالة ما له من ميزة من شرف أو تسنيم فيكون ذلك تعبيرا عن نفي شرف صاحب القبر، ولم يؤمر بهدمه تيسيرا أو تخفيفا لكثرة القبور ومشقة هدمها وإغناء التسوية في حصول الدلالة على نفي الشرف ومعارضة التعظيم لصاحب القبر.
وقد يقال: إذا كان المقصود بتسوية القبر جعله سواء مستويا فلم خص المشرف بذلك؟
والجواب: أنه يجوز أن يكون خص تيسيرا أو تخفيفا، لئلا تكثر عليه القبور فاكتفى بالأهم الذي هو المشرف. ويحتمل أن عادتهم في القبر المشرف أن يجعلوا له شرفا دون غيره، فخص المشرف لأجل الشرف. والله اعلم.
Página 14