...أعلم : أن السعادة العظمى ، والكرامة الكبرى في الدنيا والعقبى لا تحصل إلا بمتابعة خاتم النبيين ، صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين ، لكن الشيطان للإنسان عدو مبين ، يصدهم بأنواع مكائده عن الصراط المستقيم ، ويدعوهم إلى الإثم العظيم ، ليكونوا من أصحاب الجحيم ، وغاية بغيتهم سلب الإيمان ، حتى يكونوا من أهل الخلود في النيران .
...ومن أعظم مكائده التي كاد بها أكثر الناس وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته ما أوحاه قديما وحديثا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور ، حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابها من دون الله تعالى ، وعبدت قبورهم واتخذت أوثانا ، وبنيت عليها الهياكل وصورت صور أربابها فيها ، ثم جعلت تلك الصور أجسادا لها ظل ، ثم جعلت أصناما وعبدت مع الله تعالى .
...وكان ابتداء هذا الداء العظيم في قوم نوح عليه السلام ، كما أخبر سبحانه وتعالى عنهم حيث قال { قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوقا ونسرا } وقال ابن عباس وغيره من السلف : كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح عليه السلام ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليه الأمد فعبدوهم ، وكان هذا مبدأ عبادة وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها : أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها : مارية ، فذكرت له ما رأت فيها من الصور ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى " .
...ففي هذا الحديث ما ذكر من الجمع بين التماثيل والقبور .
Página 3