أغمض عينيه مستسلما للنوم، مستسلما لامتلاكها له، يشعر بلذة غريبة في الاستسلام لشيء أقوى منه، يريد أن يستريح من العناء والعبء، عناء المقاومة، عبء قيادة الآخرين، عبء الحاكم والأمير. يرى نفسه بين ذراعيها، يهمس في أذنها بلا صوت، أنفاسه تلهث. - اصعدي فوقي، خذيني واملكيني يا معبودتي.
ينتفض جسده فاتحا جفونه. تفلت كلمة معبودتي مع أنفاسه الساخنة، لا يسمعها بأذنيه، يحسها مثل الغصة في حلقه، مثل يد كبيرة ضخمة تسد أنفه وفمه، يد غير بشرية لم يرها من قبل، يد الله تخنقه، تزهق روحه، صوت الله يرج كيانه: يا كافر يا مشرك، ألا تعرف أني أغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك بي، أغفر لك كل جرائمك واختلاساتك للأموال، واغتصابك للنساء والأطفال، لكن لا أغفر لك أن تشرك بي معبودا آخر، فما بال معبودة أنثى؟
يكاد يهتف أحمد الدامهيري بالسائق محمود ويقول له: ارجع بي إلى البيت، لا تأخذني إليها.
لكن صوته لا يطلع، يتقلب فوق أريكة السيارة من ألية إلى ألية: هذه المرأة تستحق القتل، وجودها يهدد وجودي، يهد إيماني بالله الواحد الأحد لا شريك له، يجب ألا أذهب إليها، يجب أن أقضي على وجودها. نعم هذا هو الهدف الوحيد من ذهابي إليها، أن أقضي عليها قبل أن تقضي علي وعلى كل الرجال المؤمنين. هذه هي مهمتي المقدسة للقضاء عليها قبل أن تقضي على دين الله.
ابتسم لنفسه في راحة لهذه المهنة السامية النبيلة، كانت السيارة تشق الطريق نحو بيتها في الحي العشوائي البعيد، عند الحدود الفاصلة بين الوطن واللاوطن، بين العقل والجنون، بين الله وإبليس. اجتازت السيارة شوارع متربة، وحواري وأزقة مسدودة بالقمامة والمجاري، وأطفالا يلعبون بالطين مع القطط والكلاب، ومقابر يسكنها الأحياء، وموتى يسيرون بوجوه شاحبة حزينة، والطبول تدق في حفلات الزفاف، مع العود والرق، والصاجات في أيدي الراقصات تقرقع، يتمايلن بأجسادهن الغضة داخل بدلة الرقص، تكشف البطن والفخذين، تتصاعد أصواتهن في الغناء والرقص، يهتز الترتر فوق أثدائهن المرتجة، مع ارتجاجات البطن والردفين، تنطلق الرصاصات في الجو، احتفالا بالعريس والعروسة، تتصاعد الأبخرة من المباخر، والشبة لها ملامح إبليس في النار، يتصاعد الدعاء من فوق المنارات: الله أكبر الله أكبر، احفظي يا أرض ما عليك، اخرق يا رب عين الحسود. تنطلق الزغاريد من أفواه النسوة، تشبه صراخهن في المآتم والعويل الممدود في الجنازات.
التف الأطفال حول السيارة السوداء الشبح، بأردافهم العارية. أمسك طفل قضيبه الصغير وأطلق على السيارة خرطوما طويلا رفيعا من البول، قذفت واحدة من البنات بكرة من الطين فوق زجاج السيارة الخلفي، انطلق سرب من الأطفال والقطط والكلاب وراء السيارة يصرخون ويهللون، يقذفونها بالقمامة ومياه المجاري: فين بيت زينة بنت زينات يا عيال؟
هذا هو صوت السائق محمود، يطل برأسه من النافذة.
يرد عليه الأطفال في نفس واحد، أو واحدا وراء الآخر: زينة بنت زينات في المسرح، عندها حفلة كبيرة أوي أوي، في عيد ميلاد أمها زينات، إحنا كلنا كنا هناك، إنت مين؟ ومين اللي راكب وراك ده؟ باين عليه وزير كبير أوي أوي، باين عليه حرامي كبير أوي أوي. ويقهقه الأطفال، يتراقصون ويغنون ويهللون: العبيط أهوه العبيط أهوه. - اخرس يا ولد اخرسي يا بنت، ده سعادة الأمير الباشا يا أولاد الزنى، يا أولاد القحبة، يا أولاد الشرموطة، يا ...
ينطلق السباب من فم السائق يلعن أمهاتهم الزانيات القحاب. يشق بالسيارة أجسادهم التي تسد الزقاق، يكاد يدهسهم تحت العجلات دون جدوى. إنهم أطفال شوارع، داستهم عجلات وعجلات ونهضوا من تحتها ونهضوا، اغتصبهم الكبار والعجائز، داسوا أرواحهم، نهضوا من تحتهم ونهضوا، سقطوا ونهضوا، أصبحت عظامهم من حديد، أجسادهم حديد، أرواحهم مثل كل الأطفال رقيقة كالخيال المحلق في الفضاء، أقل شيء يبكيهم وأقل شيء يضحكهم مثل كل الأطفال، مثل كل الأطفال.
كانت الليلة عيد ميلاد أمها زينات، ارتفعت الزينات فوق البيوت والمقابر، تألقت اللمبات بالأضواء المحيطة بالمسرح، امتلأت القاعة الكبيرة بالرجال والنساء والأطفال، ترتفع الأيادي بالتصفيق والتهليل: أعيدي يا زينة يا بنت زينات، أعيدي.
Página desconocida