وهكذا ركب السيارة، وكان لا يزال يرتدي ملابس العمل، وقد علاه التراب والعرق الذي كان يتفصد نتيجة توتره من صعوبة اتخاذ القرار مثلما يتفصد من عمل اليوم. واضطر عند وصولهم إلى فلوريدا إلى أن يشتري ملابس أخرى للبحر.
كانت كاثي تعتز بأنها تستطيع اصطحابه إلى دستن مرة في العام، ولم يكن زيتون يمانع كثيرا في الذهاب؛ إذ كان يعرف مدى قرب المكان، ويدرك أنه يستطيع العودة في أي لحظة، بل إنه قطع عطلته وعاد أكثر من مرة بسبب مشكلة ما في أحد مواقع العمل.
ولكن كاثي كانت - بحلول عام 2002 - تريد عطلة تشعرها بأنها عطلة حقيقية. وكانت تعرف أن عليها في سبيل ذلك أن تجد حلا جذريا، فعلى مدى الزمن الذي قضياه معا - وكان آنذاك يبلغ ثماني سنوات - لم يكن قد تمتع بعطلة تزيد على يومين متتاليين. وانتهت آخر الأمر إلى أن عليها أن تختطفه.
بدأت بالتخطيط لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في دستن، واختارت وقتا تعلم أن العمل سيميل إلى الهدوء فيه؛ إذ كانت عطلة عيد الميلاد قد انقضت لتوها، ونادرا ما كان العمل يستأنف بنشاط قبل حلول السنة الجديدة. وكالعادة، لم يتخذ زيتون قراره إلا في اللحظة الأخيرة، ومن ثم احتاطت للأمر وأعدت حقيبة ملابسه بنفسها وخبأتها في الشاحنة الصغرى، ولما كانت قد ضمنت أن تكون نهاية الأسبوع هادئة، قرر اصطحاب الأسرة، وإن كان ذلك، كعادته، في آخر لحظة. وتأكدت من هدوء الأطفال - إذ كانت تطلعهم على كل خطة تضعها - وسرعان ما غلبه النعاس وسال لعابه على حزام الأمان. وفي أثناء نومه، اتجهت كاثي بالسيارة عبر مدينة دستن وتجاوزتها جنوبا إلى شبه جزيرة فلوريدا، وكلما استيقظ قالت له: «كدنا أن نصل، عد إلى النوم!» وكان والحمد الله يعود إلى النوم؛ إذ كان بالغ الإرهاق، ولم يدرك أنهم ليسوا متجهين إلى دستن إلا قبل الوصول إلى شمال ميامي بساعة واحدة. كانت كاثي قد توجهت مباشرة إلى مدينة ميامي، سبع عشرة ساعة بالسيارة. كانت قد بحثت بالكمبيوتر عن أدفأ مكان في البلاد في ذلك الأسبوع، وكانت ميامي ذلك المكان، كان الوجود في مثل ذلك المكان البعيد السبيل الوحيد لضمان قضائه عطلة حقيقية، مقدار أسبوع كامل من الراحة. كانت كلما تذكرت تلك الحيلة، وكيف نفذتها بنجاح ابتسمت لنفسها. كان الزواج نظاما مثل غيره من النظم، وكانت تعرف كيف تنجح في إدارته.
وفي نحو الثانية والنصف عاد أحمد إلى الاتصال بزيتون، كان لا يزال يتابع مسار العاصفة من الكمبيوتر الخاص به في إسبانيا.
وقال أحمد: «لا يبدو أنها تبشر بالخير لكم.»
ووعد زيتون بأن يتابع أحوالها.
وقال أحمد: «تخيل الأمواج العالية التي تثيرها العاصفة.»
وقال زيتون إنه منتبه لهذا كل الانتباه.
وقال أحمد: «ولم لا ترحل طلبا للأمان وحسب؟»
Página desconocida