هذا الوجه أبدعه كاتب فرنسا «أرمان سالكرو» في مسرحية «امرأة حرة». هذه المرأة الحرة اسمها «لوسي»، ولم تكن لوسي صاحبة مبدأ أو فلسفة، وإنما هي تريد أن تعيش، أن تعيش حياتها هي، حياة غير مشروطة بأي شرط، ولا يهمها ماذا يقول عنها المؤرخون أو نقاد الأدب. إنها تمر بالتجربة، وعليهم هم أن يختاروا لتجاربها الأسماء.
والوجه الثالث نجده في هذه المسرحية، مسرحية «زوجة كريج». والمسرحية تمضي حوادثها في بضع ساعات، ولكننا نشعر في أول الأمر أنها طويلة. ويبدو أن المؤلف تعمد الإطالة حتى يرسم لنا ملامح شخصياتها بوضوح، وبعد ذلك يترك لهم المسرح. وعلينا نحن أن نتتبع ما يجري في هذا المنزل، ولا أقول «البيت»؛ فهناك فارق كبير بين الاثنين. وهذه المسرحية توضح لنا الفارق الكبير جدا ؛ فالزوج يريد أن يكون منزله بيتا، والزوجة تريد أن تحيل البيت إلى منزل. هو يريد أن يضيف إلى المنزل الدفء والأمان وبذلك يصبح بيتا، والزوجة تريد أن تجرد البيت من هذا الدفء ومن الناس فيصبح منزلا مليئا بالأثاث. ومن ضمن قطع الأثاث: زوجها!
وزوجة كريج لها رأي في الزواج، ولها رأي في الزوج. من رأيها أن الزوج «ممول» لمشروع. أما هذا المشروع فهو بيتها، وبيتها هو حياتها مع زوجها، وبعد زوجها، أي بعد وفاة الزوج؛ فهذه مسألة هامة جدا. وقد عاشت زوجة كريج تجربة رهيبة قبل ذلك. رأت أمها وكيف أحبت أباها، وكيف أن أباها كان يبيع أمها وما تملك من أجل نساء أخريات. ومن رأي زوجة كريج أن الزواج صفقة تجارية بين البائع والمشتري. هي أعطت حريتها لزوجها، وزوجها أعطاها ماله والطمأنينة والاستقرار. كلاهما كسبان، وكلاهما خسران. وإذا كان الزوج يتعب في عمله، فهي أيضا تتعب في البيت. والزوجة ترى أن البيت مكانها الطبيعي، وأن زوجها ليس هو كل شيء، وأنها عندما تحرص على زوجها، هي في الواقع تحرص على نفسها، على سلامتها، على استقرارها، أو بعبارة أدق: إنها تحرص على الرجل الذي يحرس لها بيتها وأثاث بيتها. ولكي تضمن هذا الاستقرار وهذا الأثاث، عاشت في عزلة، اعتزلت الناس، وشجعت الناس على أن يبقوا بعيدين عن زوجها وعن بيتها، ثم أخرجت أصدقاء الزوج واحدا واحدا. أرادت أن تبعد الناس عنها، فأبعدوها عنهم.
وكانت النتيجة أن تركت البيت عمة زوجها؛ لأن من الصعب أن تعيش في بيت تهتم فيه امرأتان برجل واحد - أي هي وزوجة كريج - وابنة أختها تركت البيت، وخادمتان الواحدة بعد الأخرى، ثم جاء دور الزوج فترك البيت. وبقيت زوجة كريج وحدها مع أثاثها، ولا ينقصها إلا الممول!
ولزوجة كريج عبارة تلخص فلسفتها في الحياة والزواج: إن حب الرجل لا يفيد كثيرا في تدبير العيش، وتقول: إنني حرصت على أن يكون زواجي سبيلا إلى تحرري.
وكل خلاف بينها وبين زوجها كان يشبه البرق الذي يكشف كل شيء في لحظة واحدة، يكشف الفارق بين الرجل وزوجته، بين المرأة التي يحرص عليها وبين المرأة التي تحرص على البيت؛ ولذلك تحرص على حامي حمى البيت.
ويكفي أن يدور هذا الحوار بين الرجل وزوجته لتعرف أي خلاف بينهما.
هي :
سترى أوراق الأزهار متناثرة في أرجاء المكان ... هذا فظيع.
هو :
Página desconocida