Jonás en el vientre del pez

Abd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
51

Jonás en el vientre del pez

يونس في بطن الحوت

Géneros

كما فرحوا في أكواخهم وبيوتهم القذرة في أطراف المدينة حين سمعوا أنه قال لمن لامه على أنه يؤم الأماكن القذرة: إن الشمس أيضا تزور المستنقعات دون أن تدنس نورها.

ربما يكون عطف الناس عليه قد زاد قليلا مع ازدياد ضعفه وشيخوخته، وربما يكون اسمه الجديد «كلب السماء» أو «كلب الآلهة» الذي أطلقه عليه الفقراء والطيبون قد أرضاه، ولكنه مع ذلك ظل شحاذا جائعا شريدا، إنه يسأل فيمنع عنه الناس أيديهم، ويزور موائد الأغنياء فيلقون إليه بالعظام وهم يضحكون، ويرى الشحاذين يسألون ويعطيهم الناس فيذهب إلى أحد التماثيل المنصوبة في وسط المدينة ويمد يديه إليه ويقول لمن يسأله عن سبب ذلك: «لكي أعود نفسي رفض الناس!»

وقد تحتم عليه حقا أن يتعود رفض الناس وبخلهم. ولم تنفعه حكمته التي يرسلها في الشوارع والأسواق دون أن يعبأ بتدوينها، ولم يشبع جوعه أن يتطفل عليه الفقراء مشفقين عليه حينا ضاحكين عليه في معظم الأحيان؛ فالأغنياء والحكام مشغولون عنه بالاستماع إلى سقراط وأفلاطون ومشاهير الخطباء والمجادلين.

صحيح أنه كان مع ذلك لا يعدم من يتصدق عليه بكسرة خبز أو قطعة لحم، ولكن جوع المعدة لم يكن في الحقيقة هو مشكلته، إنه يستمتع حقا بحب الكثيرين من الأثينيين

بعضهم عليه أن يقيم في بيته ويريحه من الجولان وحده في شوارع المدينة. ولكن ماذا يجديه هذا كله؟ هل استطاع أحد أن يستمع إليه بحق؟ هل قدر أحد أنه ليس شحاذا كسائر الشحاذين؟ بل شحاذ فيلسوف أو فيلسوف شحاذ يتصدق عليهم بالمعرفة والحكمة مقابل لقم قليلة؟ هل أدركوا أخيرا أنه جعل من نفسه كلبا لكي يفهموا أنهم هم الكلاب؟ هل عرفوا حقا أن حرصهم على الغنى والشرف والشهرة والأصل واللذة تجعلهم كلابا آدميين، على حين أن الفلسفة - أي محبة الجمال والخير والحق - هي التي تحفظ الإنسان من أن يصبح كلبا؟

لا لم يفهموا ولم يعرفوا ولم يروا شيئا. وها هو ذا - كما يقول - ما يزال في نهاية عمره كما كان في بدايته شريدا بلا وطن ولا بيت، ميتا في بلده، طريدا يبحث عن خبز يومه. ربما كان هذا هو الذي دفعه ذات يوم عجيب إلى قمة اليأس، وجعله يقوم بتلك الحادثة التي قلت لكم: إنها أشهر وأهم من لقائه المشهور مع الإسكندر.

وربما استطعتم أن تشكوا بحق في أمر ذلك اللقاء الخرافي، ولكنكم فيما أعتقد لن تشكوا في أمر هذه الحادثة.

نعم! لقد فوجئ الناس به في ذلك اليوم وهو يسير عجوزا وحيدا يتوكأ على عصاه ويحمل جرابه على ظهره ومصباحا في يده. أجل، كان يحمل مصباحا كبيرا في يده اليمنى المرتعشة من الضعف والجوع والعذاب - مصباحا مضيئا في عز النهار، كانت الشمس في منتصف الظهيرة، شمس حامية ترسل حممها الخالدة على رءوس الأثينيين الذين يحتمون منها بكل وسيلة.

نعم إنه الكلب بعينه، الكلب الفيلسوف الشحاذ يمضي في شوارع أثينا، والشمس في الظهيرة، ومصباحه الزيتي الكبير يتأرجح بشعلته الملتهبة في يده، هل جن هذا الكلب المسكين؟ ألم يكتف ببرميله القذر المنتفخ فيظهر الآن بمصباحه في ضوء النهار؟ هل شبع من عض الناس بكلماته وأسنانه ويريد الآن أن يحرقهم بناره ودخانه؟ ثم من أين له هذا المصباح والزيت والزجاجة وهو لا يملك ثمن حبة ملح ولا حذاء؟ وما حاجته إليه وهو ينام راضيا منذ سنين في قاع البرميل؟ ومن أين له هذه الكلمات الفصيحة التي يطلقها الآن مع كل خطوة: أين الإنسان ؟ أين الإنسان؟

إنهم بعد المفاجأة يتجمعون حوله، وكالعادة يبدأ الأطفال بسؤاله: عم تبحث يا عجوز؟

Página desconocida