Jonás en el vientre del pez
يونس في بطن الحوت
Géneros
ويعجب القواد من جهل وغبائه؛ إذ يستمر في السؤال: أخير أنت أم شرير؟
ويقول الإسكندر: بل أنا رجل خير.
فيقول ديوجينيس: ومن ذا الذي يخاف الخيرين؟
ويغضب القواد، ولكن الإسكندر يهدئهم بإشارة من يده، ويسأله من جديد: أنا الإسكندر الأكبر.
فيرد عليه: وأنا ديوجينيس الكلبي، ويعود الإسكندر يسأل: اطلب ما تشاء.
فيقول قبل أن يختفي رأسه في قاع البرميل: ابتعد ولا تحجب عني ضوء الشمس.
قد يكون في هذا الحادث دليل آخر على حمقه أكثر منه على ذكائه، أو قد يكون دليلا على أنه كلب حقيقي قد تقمص جسد إنسان! ولكن ماذا تقولون في حادث آخر ربما يزيد في شهرته عن لقائه مع الإسكندر؟
ها هو ذا ديوجينيس قد شاخ وانحنى ظهره الذي لا يفارقه الجراب المتسخ بما يحمل من الصحفة والزاد، وظهرت في يده عصا يتوكأ عليها ويذود بها عن نفسه الصبية والأطفال. إنه الآن جائع مسكين، يود لو كان في مقدوره أن يتخلص من هذا الجوع بتدليك معدته الخاوية، ولكن الجوع - كما نقول الآن - كافر، والأغنياء في كل مكان باخلون. وهو مضطر أن يسألهم الصدقة، بل أن يعضهم إن لزم الأمر وأصروا على البخل والعناد. لا أحد يريد أن ينسى أنه كلب. لا أحد يمل الضحك عليه وتجنب طريقه، والخوف على نفسه من أن ينهشه حقا بأسنانه التي لم تعد تذوق طعم اللحم، بل لم تعد تجد بقايا العظام! صحيح أن بعضهم يردد أقواله عن الحرية والشجاعة والقناعة وجمال الروح الحق. وبعضهم - وبخاصة الفقراء والمضطهدون والمتعبون من شقاء الأيدي والأجسام، البعيدون عن ترف الفكر وتدبيج الخطب والكلام الجميل - يجدون العزاء فيما يقوله من أن احتقار اللذات هو أعظم لذة، وأن الطبيعة قد يسرت للناس كل سبل السعادة، إلا أنهم لجنونهم يختارون أن يعيشوا تعسين، وأن الحكيم يملك كل شيء؛ ولذلك فليس في حاجة لأن يملك شيئا بذاته، وأن الإنسان الحق لا ينتمي لوطن؛ لأن العالم كله وطنه. وصحيح أيضا أن هؤلاء الفقراء قد سمعوا عن كبريائه إزاء الأغنياء البخلاء، لا بل عن رفضه - وهو الجائع العجوز المحروم - أن يأكل على مائدة الطاغية كراتيروس قائلا: إنه يفضل أن يعيش على حبات الملح من أن يتمتع بطعامه الفخم.
كما استمعوا بإعجاب لا حد له لما قاله حين سئل: إن كان قد تعلم من الفلسفة شيئا - فأجاب بأنه قد تعلم أن يرتفع فوق كل الحظوظ والأقدار، غير أنهم مع هذا العطف والإشفاق كله لم يستطيعوا على كل حال أن يقتنعوا بأنه إنسان مثلهم أو مثل غيرهم من الناس!
صحيح أن كلماته الحكيمة قد أعجبتهم ولمست قلوبهم، فسماه بعضهم كلب السماء، أو «الكلب الإلهي»؛ ولكنه ظل في أعينهم بالرغم من كل شيء الكلب المسكين المشهور، لقد رأوا أن كلبيته كانت تحمل في ذاتها دليلا صامتا على وقوفه في صفوف الفقراء والمظلومين كما تحمل احتجاجا - من نوع دنيء بالطبع - على غنى الأغنياء وطغيان الطغاة. سمعوه يقول مرة: إن من المستحيل على المجتمع أن يحيا بلا قانون؛ فأدركوا ولو من بعيد أنه يدين القهر والعسف الذي يعانونه؛ كما أعجبوا به حين رأوه ذات يوم وهو يهتف بأحد الكهنة وكان يسوق أمامه رجلا سرق إناء من آنية معبد زيوس: انظروا، إن اللصوص الكبار يسوقون اللص الصغير!
Página desconocida