وزفت إلى المعتضد مع صاحب أبيها الحسين بن عبد الله الجصاص فقال المعتضد لأصحابه: أكرموها بشمع العنبر! فوجد في خزانة الخليفة أربع شمعات من عنبر في أربعة أتوار فضة. فلما كان وقت العشاء جاءت إليه وقدّامها أربعمائة وصيفة وفي يد كل وصيفة منهن تور ذهب أو فضة، وفيه شمعة من عنبر فقال المعتضد لأصحابه أطفئوا شمعنا واسترونا.
وكانت إذا جاءت إليه أكرمها بأن يطرح لها مخدة. فجاءت إليه يومًا فلم يفعل ما كان يفعله بها. فقالت: أعظم الله أجر أمير المؤمنين. قال: فيمن. قالت: في عبده خمارويه تعني أباها فقال لها: أو قد سمعت بموته. قالت: لا ولكني لما رأيتك قد تركت إكرامي علمت أنه قد مات أبي. وكان خبره قد وصل إلى المعتضد فكتمه عنها، فعاد إلى إكرامه لها بطرح المخدة في كل الأوقات.
وقتل خمارويه بدمشق في سنة ٢٨٠، وحلب في ولاية طغج بن جف ومن قبله. وأظن أن قاضي حلب بعد أيام أحمد بن طولون حفص بن عمر قاضي حلب.
وولي مكان خمارويه ولده جيش بن خمارويه وطغج في حلب على حاله. وسيّر إلى المعتضد رسولًا يطلب منه أمراءه على عادة أبيه في البلاد التي كانت في ولايته، فلم يفعل.
وسير رسولًا إلى هارون، فستنزله عن حلب وقنسرين والعواصم، وسلّم لهارون مصر وبقية الشام، واتفق الصلح مع المعتضد وهارون على ذلك في جمادى الأولى سنة ٢٨٦.
وكان هارون قد ولي قضاء حلب وقنسرين أبا زرعة محمد بن عثمان الدمشقي. فقلد المعتضد حلب وقنسرين ولده أبا محمد علي بن أحمد في هذه السنة.
وولي بحلب من قبل ابنه الحسن بن علي المعروف بكورة الخراساني وإليه تنسب داركورة التي داخل باب الجنان بحلب والحمّام المجاورة لها. وقد خربت الآن.
وكان كاتب علي بن المعتضد يومئذ الحسين بن عمرو النصراني فقلده النظر في هذه النواحي.
وسار المعتضد في سنة ٢٨٧، خلف وصيف خادم ابن أبي الساج إلى الثغور إلى أن لحقه. فضم عمل الثغور أيضًا إلى كورة، وعاد إلى أنطاكية، ووصيف معه.
ثم رحل إلى حلب فأقام بها يومين، ووجد لوصيف بعد أسره في بستان بحلب مال كان دفنه وهو بها مع مولاه مبلغ ستة وخمسين ألف دينار، فحمل إلى المعتضد، ثم رحل إلى بغداد، فمات في شهر ربيع الآخر سنة ٢٨٩.
وتلوى الخلافة أبو محمد، ولقب بالمكتفي، فصرف الحسن بن علي كورة عن ولايته، وولى حلب أحمد بن سهل النوشجاني في شهر جمادى الآخرة سنة ٢٨٩. ثم صرف عنها سنة ٢٩٠.
وولى حلب في هذه السنة أبا الأغر خليفة بن المبارك السلمي ووجهه إليه لمحاربة القرمطي صاحب الخال فإنه كان قد عاث في البلاد، وغلب حمص وحماة ومعرة النعمان وسلمية، وقتل أهلها وسبى النساء والأطفال.
فقدم أو الأغر حلب في عشرة آلاف فارس، فأنفذ القرمطي سريةً إلى حلب، فخرج أبو الأغر إلى وادي بطنان، فلما استقر وافاه جيش القرمطي، يقدمه المطوق غلامه وكبسهم، وقتل عامة أصحابه وخادمًا جليلًا يقال له بدر القدامي.
وسلم أبو الأغر في ألف رجل فصار إلى قريةٍ من قرى حلب، وخرج إليه ابنه في جماعة من الرّجالة والأولياء، فدخل إلى حلب وأقام القرامطة على مدينة حلب على سبيل المحاصرة.
فلما كان يوم الجمعة سلخ شهر رمضان من سنة ٢٩٠. فشرع أهل مدنية حلب إلى الخروج للقاء القرامطة فمنعوا من ذلك، فكسروا قفل الباب، وخرجوا إلى القرامطة، فوقعت الحرب بين الفئتين، ورزق الله الحلبيين النصر عليهم، وخرج أبو الأغر فأعانهم فقتل من القرامطة خلقٌ كثيرٌ.
وخرج أبو الأغر يوم السبت يوم عيد الفطر إلى المصلى، وعيّد بأهل حلب، وخطب، وعادت الرعية على حال سلامة، وأشرف أبو الأغر على القرامطة، فلم يخرج منهم أحدٌ إليه، ثم إنهم رحلوا إلى صاحبهم في سنة ٣٠٠.
ثم إن المكتفي ولى حلب الحسين بن حمدان بن حمدون عم سيف الدولة، فعاثت عليه العرب من كلب واليمن وأسد وغيرهم فاجتمعوا بنواحي حلب، فخرج للقائهم في شهر رمضان من سنة ٢٩٤ فهزموه حتى بلغوا به باب حلب، وجرى بينه وبين القرامطة في هذه السنة وقعة كسرهم فيها واستأصلهم.
1 / 14