وولي ابنه أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون فولى في حلب أبا موسى محمد بن العباس بن سعيد الكلابي في سنة ٢٧١. ونزل أبو الجيش من مصر إلى حلب وكاتب أبا أحمد بن المتوكل بأن يولي حلب ومصر وسائر البلاد التي في يده، ويدعى له على منابرها، فلم يجبه إلى ذلك، فاستوحش من الموفق.
وولى في حلب القائد أحمد بن ذو غباش، وصعد إلى مصر فوصل إلى حلب إسحاق بن كنداج، وكان يلي ديار ربيعة، ومحمد بن أبي الساج وكان يلي مضر، فولاه الموفق حلب وأعمالها، وكتبا إلى العراق يطلبان نجدة تصل إليهما، فإن ابن جيعويه وغيره من قواد ابن طولون بشيزر.
فسيّر الموفق ابنه أبا العباس أحمد بن طلحة، فكان قد جعل إليه ولاية عهده، فوصل إلى حلب في ربيع الآخر من سنة ٢٧١ وكان فيها محمد بن دويداد بن أبي الساج المعروف بالأفشين حينئذ واليًا، وسار إلى قنسرين، وهي يومئذ لأخي الفصيص التنوخي وهي عامرة وحاضر طيئ لطيئ وعليها أيضًا سور، وقلعتها عامرة.
وسار إلى شيزر، فكسر العسكر المقيم، وسار إلى أن تواقع المعتضد وخمارويه على الطواحين بقرب الرملة، وكانت الغلبة أولًا لأبي العباس المعتضد وهرب خمارويه بمن خلف معه إلى مصر، ونزل أبو العباس بخمية خمارويه وهو لا يشك في الظفر، فخرج كمين لخمارويه، فشدوا عليه وقاتلوهم فانهزموا وتفرق القوم.
ورجع الأمير أبو العباس إلى أن انتهى إلى أنطاكية، وكان محمد بن دويداد المعروف بالأفشين بن أبي الساج قد فارق أبا العباس لكلام أغلظ له فيه أبو العباس، فجاء قبل وقعة الطّواحين واستولى على حلب ومعه إسحاق بن كنداج.
وسار أبو العباس من أنطاكية إلى طرسوس فأغلقها أهلها دونه ومنعوهم من دخولها فسار إلى مرعش ثم إلى كيسوم ثم إلى سميساط، وعبر الفرات، ونكب عن حلب لاستيلاء الأفشين عليها وكان قد جرت بينهما وحشة.
ونزل خمارويه إلى حلب فصالحه الأفشين وصار في جملته ودعا له على منابر أعماله، وحمل إليه خمارويه مائتي ألف دينار ونيفًا وعشرين ألف دينار لوجوه أصحابه، وعشرين ألف دينار لكاتبه وذلك في سنة ٢٧٣. وأعطاه ابن أبي الساج ولده رهينة على الوفاء بعهده، فراسل خمارويه أبا أحمد الموفق وولاه مصر، وأجناد الشام، وقنسرين وحلب، والعواصم، والثغور.
وصعد أبو الجيش إلى مصر، وكان أبو الجيش قد أعطى ابن أبي الساج يوم دفع ولده إليه ما مبلغه ثلاثون ألف دينار، فقال: خدعكم محمد بن دويداد إذ أعطاكم بولة يبول مثلها في طل ليلة مرات، وأخذ منكم ثلاثين ألف دينار.
ثم أن ابن أبي الساج نكث عهده مع أبي الجيش، وعاث في نواحي الأعمال التي له في ذي القعدة سنة ٢٧٤. فخرج إليه أبو الجيش، والتقيا بالثنيّة من أعمال دمشق، فانهزم ابن أبي الساج واستبيح عسكره قتلًا وأسرًا، ففي ذلك يقول البحتري:
وقد تلت جيوش النّصر منزلةً ... على جيوش أبي الجيش بن طولونا
وكتب إلى ابن أبي الساج يوبخه، وقال له: أكان يجب يا قليل المروءة والأمانة، أن تصنع برهنك ما أوجبه غدرك! معاذ الله أن تزر وازرة وزر أخرى.
ورجع أبو الجيش إلى مصر في سنة ٢٧٥. فعاد محمد ابن دويداد، وعاث عليه في أطراف بلاده فقصده فانهزم بين يديه، فوصل ابن طولون خلفه إلى الفرات. وهرب ابن أبي الساج، ولحق بأبي أحمد الموفق فانضم إليه، فخلع عليه وأخرجه معه إلى الجبل، وذلك سنة ٢٧٦.
وولى أبو الجيش على حلب غلام أبيه طغج بن جف والد الإخشيد أبي بكر محمد بن طغج.
ودعا يا زمار لخمارويه بطرسوس والثغور، وحمل إليه خمارويه خمسين ألف دينار، وحمل إليه قبل الدعاء له ثلاثين ألف دينار لينفقها في سبيل الله، ومائة وخمسين ثوبًا ومائة وخمسين دابة وسلاحًا كثيرًا، وذلك في سنة ٢٧٧.
ورجع أبو الجيش إلى مصر، ومات المعتمد بعد ذلك في سنة ٢٧٩. فولي الخلافة أبو العباس أحمد بن طلحة المعتضد، فبايعه أبو الجيش بن طولون وخطب له في عمله. وسيّر إليه هدية سنية مع الحسين بن الجصاص وطلب منه أن يزوج ابنته من علي بن المعتضد، فقال المعتضد: بل أنا أتزوجها، فتزوجها المعتضد؛ وهي قطر الندى.
وقيل: إنه دخل معها مائة هاون من ذهب في جهازها، وإن المعتضد دخل خزانتها وفيها من المنائر والأباريق والطاسات وغير ذلك من الآنية الذهب، فقال: يا أهل مصر ما أكثر صفركم فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين إنما هو ذهب.
1 / 13