أما في غير هذه الحالة، فزواج الأقارب مأمون من الوجهة البيولوجية على قول الأكثرين من الثقات، وقد روى وستر مارك في كلامه عن أحدث الآراء في موضوع «الإكسوجامي» مشاهدات بعض المعنيين بتجربة التلاقح بين الحيوانات، فإذا بالكثيرين منهم يتفقون على أن هذه الحيوانات سلمت من عوارض الهزال المزعوم، وأنجبت ذرية من أحسن أنواعها في صفات القوة والنشاط، ولا سيما الحيوانات التي يعنى بانتخابها، وإبعاد الضعيف منها لأسباب فردية، لا علاقة لها بالبنية الموروثة.
ومع هذا أي قول من أمثال هذه الأقوال يمضي بغير خلاف من النقيض إلى النقيض؟
فمن أعجب التناقض في هذا الصدد أن الكاتب بت رڨرس
ينفي الضرر من تزاوج الحيوانات القريبة، ويجعل شاهده على ذلك خيول السباق، فإذا بزميل له في هذه البحوث وهو سير جيمس بن بوكوت
Boucat
يناقض هذا الرأي، ويتخذ خيول السباق نفسها حجة له على قوله، ويهيب بقومه أن يدركوا ذرية الخيول الإنجليزية بدم غريب قبل أن يبلغ بها الضعف مبلغا لا تجدي فيه المداركة.
والقول الفصل في هذا الخلاف غير مستطاع، ولكننا نسيغ بالعقل سبب الضعف الذي ينجم من تزاوج الأقربين، وهو اشتراكهم في الاستعداد للأمراض والعوارض الخلقية أو الخلقية، فإذا انتفى هذا الاشتراك فليس يتضح أمامنا سبب للتحذير من هذا الزواج، وليس فيما شاهدناه من الأمثلة دليل على أن زواج الأقربين أضر بالذرية من زواج الأبعدين. •••
أما زواج المصريين بالأوروبيات فلا ضرر فيه من الوجهة الجسدية مع سلامة الزوجين، وفيه إلى جانب هذا مزايا التلقيح بالدم الجديد الذي شوهدت حسناته في كثير من الشعوب والأفراد.
ونحن نعتقد أن المسألة هنا ليست مسألة اللحم والدم، وصحة الجوارح والأعضاء، ولكنها مسالة «الأعصاب» التي هي خزين الملكات والمواهب الخلقية والعقلية ومناط التفاضل الكبير بين الأقوام والأجناس، فقد تكون المرأة صحيحة الدم واللحم بريئة من عوارض السقم والهزال، ولكنها لا تنفث في أبنائها نشاطا جديدا ما لم يكن مصدر هذا النشاط ذلك الخزين العصبي، الذي تكنزه بعض الأمم بالتجارب النفسية والجسدية في عشرات الألوف من السنين.
فهذا الخزين العصبي هو الذي يستفاد من البناء بالأوروبيات، ولا سيما بنات الشمال.
Página desconocida