ويندر بين هذه المجتمعات من لم يعرف «الإكسوجامي» في صورة من صوره الكثيرة، التي تتقلب على جميع الفروض ، وتتناقض أغرب التناقض في بعض الأحوال.
فمن هذه المجتمعات ما يحرم فيه زواج الأخوين، ولا يحرم فيه زواج الأب ببنته، ومنه ما يحرم فيه زواج هؤلاء جميعا ومعهم أبناء الأعمام، ومنه ما يحرم فيه زواج أبناء القبيلة الواحدة الذين ينتسبون إلى جد واحد، ومنه ما يحرم فيه الحمل، ولا تحرم فيه الصلات الجنسية.
والاختلاف في تعليل هذا التحريم بين الباحثين فيه أكبر وأوسع من اختلاف القبائل في هذه العادة، وهذه الشريعة.
فمنهم من يعزوها إلى غيرة الأب من ولده، وغيرة الأم من بنتها، ومنهم من يعزوها إلى رغبة الرجال في إظهار القوة باغتصاب الحلائل من القبائل البعيدة، ومنهم من يعزوها إلى «الطوطمية» أو اتخاذ حيوان من الحيوانات جدا للقبيلة كلها وربا حارسا لجميع أفرادها، فهم جميعا في حكم الأسرة الواحدة التي لا يجوز لها أن تأكل من لحمها ودمها ... ومنهم من يعزوه إلى الأسباب الاقتصادية؛ لأن الأب يتقاضى مهرا من الزوج الغريب ولا يتقاضاه من ابنه أو ابن عمه، ومنهم من يعزوه إلى ما يكون بين الأقربين من الألفة، التي تضعف الرغبة الجنسية وتنشئ بين الأقربين علاقة من الرحم غير علاقة الزواج.
وكل أولئك جائز أن يؤدي إلى تقرير هذه الشريعة في الجماعات الأولى، وإن غلب بعضه على جماعة، وغلب غيره على جماعة أخرى.
وقد كان اجتناب الأقربين في الزواج مذهبا معروفا بين العرب، وإن لم يتفقوا عليه، فكان أناس منهم يعتقدون أن الولد يجيء من القريبة ضاويا «لكثرة الحياء من الزوجين فتقل شهوتهما، ولكنه يجيء على طبع قومه من الكرم»، وفي ذلك يقول أحدهم:
يا ليته ألقحها صبيا
فحملت فولدت ضاويا
ويروى عن النبي - عليه السلام - أنه قال: «اغتربوا لا تضووا.» حديث لا نقطع بصحته؛ لأنه - عليه السلام - قد زوج بنتيه من الأقربين، كما ذكر الأديب صاحب الخطاب.
أما الرأي الذي يوشك أن يستقر عليه الخبراء بهذه الشئون، فهو أن الزواج بالأقارب لا ضرر فيه من الوجهة البيولوجية إلا في حالة واحدة ، وهي أن يغلب على الأسرة كلها استعداد جسدي لبعض الأمراض، كما يتفق أن يغلب على بعض الأسر الاستعداد لأمراض الصدر، أو اختلال الأعصاب أو سوء الهضم، أو ما شاكل ذلك من دواعي الضعف التي تورث وتنتقل إلى الأبناء، فإن الولد إذا ورث الاستعداد للمرض من أبيه وأمه كانت وقايته منه أصعب من وقاية أبويه، وهذه حالة لا شك في ضررها، سواء كان تشابه البنية في أسرة واحدة أو في أسر غريبة، إذ لا يجوز لرجل مستعد لمرض من الأمراض أن يتزوج بامرأة مستعدة لهذا المرض على التخصيص، سواء كانت من أهله أو غير أهله.
Página desconocida