وجهة العالم الإسلامي
وجهة العالم الإسلامي
Editorial
دار الفكر معاصر بيروت-لبنان / دار الفكر دمشق
Número de edición
١٤٣١هـ = ٢٠٠٢م / ط١
Ubicación del editor
سورية
Géneros
الأمم وعاداتها، التي هي في الواقع أساس الفوضى الأخلاقية هناك. ولعلنا نكشف في هذه الصفحات عن علاقة هذه الفوضى بمثيلتها في العالم الإسلامي.
والواقع أن هناك تأثيرًا متبادلًا بين فوضانا وفوضى أوربا، فكلتاهما ذات وجهين، وذلك أن لفوضى أوربا وجهًا يعد نتيجة بسيطة، ولكنها محتومة للحركة التاريخية، أعني للعوامل الداخلية التي حتمت هذه الحركة، ولها وجه آخر عارض نتج عن تأثير الواقع الاستعماري على الحياة، وعلى العادات، وعلى الأفكار، منذ أكثر من قرن. هذان الوجهان يؤلفان في مجموعهما ظاهرة مشتركة في جميع الحضارات، هي ظاهرة تخلف الضمير في نموه عن العلم وعن حركة الفكر. فما الضمير إلا تلخيص نفسي للتاريخ، وخلاصة لأحداث الماضي منعكسة على ذات الإنسان، فهو بلورة للعادات والاستعدادات والأذواق.
فكل ما لا يدخل في ميدان السوابق التاريخية التي تكون هذه العناصر يظل غريبًا عن الضمير، فهناك مثلًا كثيرون منا لا يميلون إلى ركوب الطائرات، لأنهم ما زالوا لا يتصورون أن شيئًا أثقل من الهواء يمكن أن يحمله الهواء، فهذه الحقيقة لم تدخل بعد في تركيب الضمير، وكذلك الأمر بالنسبة لجميع فتوحات الفكر، فكلما فقدنا اتصالنا المباشر بماضينا وتقاليدنا وعوائدنا فقدت ضمائرنا قدرًا كبيرًا من مكوناتها الأساسية، لأن هذه تظل بعيدة عن مخالطة الضمير.
تلكم هي مأساة الحضارة الحديثة في عمقها، فإن الضمير الحديث لم يتمثل بعد أغلب ما حققه العلم من مخترعات.
هذا التخلف بين الضمير والعلم كان هو السبب المباشر في الانفصال الذي حدث في العالم الإسلامي في (صفين)، فالقرآن باعتباره نظامًا فلسفيًا كان علمًا يتجاوز في مداه آفاق الضمير الجاهلي بطريقة فريدة، فنتج عن ذلك انفصال بين أولئك الذين تمثلوا الفكر القرآني الجديد، وأولئك الذين استعبدتهم حمية الجاهلية
1 / 124