Why We Pray - Introduction
لماذا نصلي - المقدم
Géneros
الصلاة هي القاسم المشترك بين سائر الكائنات
إن الصلاة هي القاسم المشترك بين عبودية الكائنات كلها، يقول الله ﷾: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور:٤١]، فتأملوا هذه الآية الكريمة، أي: قد علم كل مصل ومسبح من الكائنات صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه.
يقول الزمخشري: ولا يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها.
يعني: نحن نرى بالأدلة الحسية أن كل هذه الكائنات قد هداها الله ﷾ إلى أمور عجيبة جدًا، سواء الحيوان أو النبات أو كذا وكذا، تجد أن الله ﷾ هداها إلى أنواع عجيبة من الهداية، وقد ناقشنا هذا الموضوع بالتفصيل عندما تدارسنا قضية القضاء والقدر، وناقشنا نوعًا من أنواع الهداية التي هي الهداية العامة، وهي هداية كل مخلوق إلى ما يصلحه ويجلب له النفع ويدفع عنه الضر.
يقول ﷿: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه:٥٠] فهذا الطفل عندما يخرج من بطن أمه فورًا تراه يلتقم موضع الرضاع بمنتهى الإتقان، مع أنها عملية ليست سهلة، بل هي عملية معقدة، من الذي هداه إلى كيفية هذا الالتقام؟! والقصص كثيرة جدًا في هذا الموضوع، والخوض فيها يجعلنا نخرج عن موضوعنا الأساسي، فمن الذي ألهم النحل لتفاصيل الحياة العجيبة؟! ومن الذي ألهم النمل هذه العجائب؟! ومن الذي ألهم الطيور العجائب التي نعرفها؟! إن الذي ألهمها هذه الأشياء التي تفعلها هو الله ﷿، وأذكر بعض الأمثلة التي ذكرها ابن القيم في كتابه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل)، ذكر أن نملة كانت تريد أن تدخل في إناء فيه عسل، لكن صاحب هذا العسل وضعه في إناء آخر فيه ماء؛ حتى لا تستطيع النملة الوصول إليه، فماذا فعلت هذه النملة؟ صعدت النملة على الجدار، ثم صعدت على السقف حتى صارت موازية للإناء الذي فيه العسل ثم أسقطت نفسها عموديًا على العسل! ومن الأمثلة أيضًا: أن فأرًا كان يشرب زيتًا من برميل ثم نقص ذلك الزيت، فكان إذا وقف على حافة البرميل لا يستطيع أن يشرب من ذلك الزيت لبعده، ويخاف أن يقع في البرميل فيغرق في الزيت، فماذا يفعل؟ قام الفأر وملأ فمه ماءً ثم وضع الماء في الزيت حتى يرتفع الزيت ويطفو على الماء فلما اقترب منه الزيت شرب منه.
من علّمه ذلك؟! إنه الله، فهذه هي الهداية العامة، فالله هدى كل مخلوق إلى ما يصلحه، ولو حاولت أن تقتل صرصورًا فانظر كيف يحاول الهروب منك وإنقاذ حياته؟! هل عنده عقل؟ لا ليس عنده عقل، لكن الله ألهمه ما يدفع به الشر عن نفسه.
والنماذج في هذا كثيرة جدًا، والعلوم الحديثة أَثْرَت المكتبات باكتشافات في غاية الروعة فيما يتعلق بالهداية العامة، من الذي يلهم هذه الكائنات تلك العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها؟ إنه الله ﷾.
إذًا: فهل يبعد مع هذا أن يلهمها الله كيف تصلي له وكيف تسبحه؟! هذا بلا شك لا يمكن استبعاده، فظاهر الآية أن الطير تسبح وتصلي صلاة وتسبيحًا يعلمها الله ونحن لا نعلمها، ولذلك قال ﵎: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء:٤٤].
كذلك من عبودية الكائنات قوله ﵎: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ [الرحمن:٦]، وقوله ﷿: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ:١٠]، كان داود ﵇ ينشد الأذكار فتردد الجبال والطيور وهذه الكائنات خلفه ﵇ هذا الذكر.
كذلك أيضًا الصلاة واجبة على الجن، فالجن مكلفون بالصلاة كالآدميين، يقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦]، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: الجن مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين للإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويًا ما على الأنس في الحد، لكنهم مشاركون الأنس في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم.
الملائكة أيضًا يصلون، فقد قال تعالى في حقهم: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت:٣٨]، وقال أيضًا حاكيًا قولهم: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ [الصافات:١٦٥] أي: عند الله ﷾ يقفون صفوفًا.
وقال ﷺ لأصحابه: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ -ثم ذكر كيفية اصطفافهم فقال-: يتمون الصف الأول فالأول، ويتراصون في الصف) رواه البخاري.
وقد ميز الله ﷾ هذه الأمة وفضلها على بقية الأمم، بأن جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة كما في الحديث الشريف الذي في صحيح مسلم عن النبي ﵊ قال: (جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة).
وعن حكيم بن حزام ﵁ قال: (بينما رسول الله ﷺ في أصحابه إذ قال لهم: أتسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السماء، ولا تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم) حديث صحيح.
وقال ﷺ: (إني لأرى ما لا ترون، وأسمع مالا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدًا).
وفي حديث الإسراء قال ﷺ: (فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم) رواه البخاري.
وقال ﷺ: (نزل علي جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات) رواه البخاري.
وقال ﵊ في مشاركة الملائكة للمؤمنين في الصلاة: (إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري.
وكذا الملائكة تحضر مع المؤمنين صلاة الجمعة، يقول ﷺ: (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر).
1 / 14