محمد بن شداد بكتب فقارس من الغور وانتقالها إلى الظاهر وقد ثبتت عليه بالشام وطلب منه الإشهاد عليه بما فيها لتثبت بمصر، قال: كيف اشهد علي قال: يأذن لك قاضي القضاة ابن رزين. فقال: لو كنت موليًا ما كنت آذن له، أفأكون مولى من جهته هذا لا يكون أبدًا. واطلع الظاهر على ذلك فعظم عنده وتحقق شرف نفسه. وأمر له بدر الدين بيليك الخزندار تلك الأيام بألفي درهم ومائة إردب قمح فأبى من قبولها وتلطف معه مع القاصد، فقال: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، ولم يقبل وأصر على الامتناع مع الفاقة الشديدة. وكان له ميل إلى بعض أولاد الملوك وله فيه الأشعار الرائقة، يقال إنه أول يوم جاء إليه بسط له الطرحة وقال: ما عندي أعز من هذه، طأ عليها، ولما فشا أمرهما وعلم به أهله منعوه من الركوب فقال:
يا سادتي إني قنعت وحقكم ... في حبكم منكم بأيسر مطلب
إن لم تجودوا بالوصال تعطفًا ... ورأيتم هجري وفرط تجنبي
لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب
لو كنت تعلم يا حبيبي ما الذي ... ألقاه من ألمٍ إذا لم تركب
لرحمتني ورثيت لي من حالةٍ ... لولاك لم يك حملها من مذهبي
قسمًا بوجهك وهو بدر طالع ... وبليل طرتك التي كالغيهب
وبقامةٍ لك كالقضيب ركبت في ... أخطارها في الحب أصعب مركب
وبطيب مبسمك الشهي البادر ال ... عذب النمير اللؤلؤي الأشنب
لو لم أكن في رتبة أرعى لها ال ... عهد القديم صيانة للمنصب
لهتكت ستري في هواك ولذ لي ... خلع العذار ولو ألح مؤنبي
لكن خشيت بأن تقول عواذلي ... قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي
فارحم فديتك حرقة (١) قد قاربت ... كشف القناع بحق ذياك النبي
لا تفضحن محبك الصب الذي ... جرعته في الحب أكدر مشرب أخبرني من لفظه القاضي جمال الدين عبد القاهر التبريزي قال: كان الذي
_________
(١) في الأصل: خرقة.
1 / 4